فصل: الخبر عن الأوس والخزرج أبناء قبيلة من هذه الطبقة ملوك يثرب دار الهجرة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  الخبر عن بطون كهلان

من القحطانية وشعوبهم واتصال بعضها مع بعض وانقضائها هؤلاء بنو كهلان بن سبا بن يشجب بن يعرب بن قحطان إخوة بني حميربن سبا‏.‏ وتداولوا معهم الملك أول أمرهم ثم انفرد بنو حمير به وبقيت بطون بني كهلان تحت ملكتهم باليمن‏.‏ ثم لما تقلص ملك حمير بقيت الرياسة على العرب البادية لبني كهلان لما كانوا بادين لم يأخذ ترف الحضارة منهم ولا أدركهم الهرم الذي أودى بحمير‏.‏ إنما كانوا أحياء ناجعة في البادية والرؤساء والأمراء في العرب إنما كانوا منهم‏.‏ وكان لكندة من بطونهم ملك باليمن والحجاز‏.‏ ثم خرجت الأزد من شعوبهم أيضاً من اليمن مع مزيقيا وافترقوا بالشام‏.‏ وكان لهم ملك بالشام في بني جفنة وملك بيثرب في الأوس والخزرج وملك بالعراق في بني فهم‏.‏ ثم خرجت لخم وطيء من شعوبهم أيضاً من اليمن‏.‏ وكان لهم ملك بالحيرة في آل المنذر حسبما نذكر ذلك كله‏.‏ وأما شعوبهم فهي كلها تسعة من زيد بن كهلان في مالك بن زيد وعريب بن زيد‏.‏ فمن مالك بطون همدان وديارهم لم تزل باليمن في شرقيه وهم بنو أوسلة وهو همدان بن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة بن الجبار بن مالك بن زيد بن نوف بن همدان‏.‏ ومن شعوب حاشد بنو يام بن أصغى بن مانع بن مالك بن جشم بن حاشد ومنهم طلحة بن مصرف‏.‏ ولما جاء الله بالإسلام افترق كثير من همدان في ممالكه وبقي منهم من بقي باليمن وكانوا شيعة لعلي كرم الله وجهه ورضي عنه عندما شجر بين الصحابة وهو المنشد فيهم متمثلاً‏.‏ فلو كنت بوباً على باب جنة لقلت لهمدان ادخلوا بسلام ولم يزل التشيع دينهم أيام الإسلام كلها ومنهم كان علي بن محمد الصليحي من بني يام القائم بدعوة العبيديين باليمن في حصن حرار من بني يام وهو من بطونهم وهو من بني يام من بطون حاشد‏.‏ فاستولى عليه وورث ملكه لبنيه حسبما نذكره في أخبارهم وكانت بعد ذلك وقبله دولة بني الرسى أيام الزيدية بصعدة فكانت على يدهم وبمظاهرتهم ولم يزل التشيع دينهم لهذا العهد‏.‏ وقال البيهقي‏:‏ وتفرقوا في الإسلام فلم تبق لهم قبيلة وبرية إلا باليمن وهم أعظم قبائله وهم عصبة المعطي من الزيدية القائمين بدعوته باليمن وملكوا جملة من حصون اليمن باليمن ولهم بها إقليم بكيل وإقليم حاشد من بطونهم‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ ومن همدان بنو الزريع وهم أصحاب الدعوة والملك في عدن والحيرة وهم زيدية وإخوة همدان الهان بن مالك بن زيد بن أوسلة ومن مالك بن زيد أيضاً الأزد وهو أزد بن الغوث بن نبت بن مالك وخثعم وبجيلة ابنا أنمار بن وقد يقال أنمار هو ابن نزار بن معد وليس بصحيح‏.‏ فأما الأزد فبطن عظيم متسع وشعوب كثيرة‏.‏ فمنهم بنو دوس من بني نصر بن الأزد وهو دوس بن عدنان بالثاء المثلثة ابن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحرث بن كعب بن مالك بن نصر بن الأزد بطن كبير‏.‏ ومنهم كان جذيمة بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس وديارهيم بنواحي عمان‏.‏ وكان بعد دوس وجديمة ملك بعمان في إخوانهم بني نصر بن زهران بن كعب‏.‏ كان منهم قبيل الإسلام المستكبر بن مسعود بن الجرار بن عبد الله بن مغولة بن شمس بن عمرو بن غنم بن غالب بن عثمان بن نصر بن زهران‏.‏ والذي أدرك الإسلام منهم جيفر بن الجلندي بن كركر بن المستكبر وأخوه عبد الله ملك عمان‏.‏ كتب إليهما النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا‏.‏ واستعمل على نواحيهما عمرو بن العاص‏.‏ ومن الأزد ثم من بني مازن بن الأزد بنوعمرو مزيقيا بن عامر ويلقب ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرىء القيس البهلول بن ثعلبة بن مازن بن الأزد‏.‏ وعمرو هذا وآباؤه كانوا ملوكاً على بادية كهلان باليمن مع حمير واستفحل لهم الملك من بعدهم وكانت أرض سبأ باليمن لذلك العهد من أرفه البلاد وأخصبها وكانت مدافع للسيول المنحدرة بين جبلين هنالك فضرب بينهما سد بالصخر والقار يحبس سيول العيون والأمطار حتى يصرفوه من خروق في ذلك السد على مقدار ما يحتاجون إليه في سقيهم ومكث كذلك ما شاء الله أيام حمير‏.‏ فلما تقلص ملكهم وانحل نظام دولتهم وتغلب بادية كهلان على أرض سبا وانطلقت عليها الأيدي بالعيث والفساد وذهب الحفظة القائمون بأمر السد نذروا بخرابه‏.‏ وكان الذي نذر به عمرو مزيقيا ملكهم لما رأى من اختلال أحواله‏.‏ ويقال أن أخاه عمران الكاهن أخبره ويقال طريفة الكاهنة‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ طريفة الكاهنة امرأة عمرو بن عامر وهي طريفة بنت الخير الحميرية لعهده‏.‏ وقال ابن هشام‏:‏ عن أبي زيد الأنصاري أنه رأى جرذاً تحفر السد فعلم أنه لا بقاء للسد مع ذلك فأجمع النقلة من اليمن‏.‏ وكاد قومه بأن أمر أصغر بنيه أن يلطمه إذا أغلظ له ففعل‏.‏ فقال لا أقيم في بلد يلطمني فيها أصغر ولدي وعرض أمواله فقال أشراف اليمن اغتنموا غضبة عمرو فاشتروا أمواله وانتقل في ولده وولد ولده‏.‏ فقال الأزد لا نتخلف عن عمرو فتجشموا للرحلة وباعوا أموالهم وخرجوا معه‏.‏ وكان رؤساؤهم في رحلتهم بنو عمرو مزيقيا ومن إليهم من بني مازن ففصل الأزد من بلادهم باليمن إلى الحجاز‏.‏ قال السهيلي‏:‏ كان فصولهم على عهد حسان بن تبان أسعد من ملوك التبابعة ولعهده كان خراب السد‏.‏ ولما فصل الأزد من اليمن كان أول نزولهم ببلاد عك ما بين زبيد وزمع‏.‏ وقتلوا ملك عك من الأزد ثم افترقوا إلى البلاد ونزل بنو نصر بن الأزد بالشراة وعمان‏.‏ ونزل بنو ثعلبة بن عمرو مزيقيا بيثرب‏.‏ وأقام بنو حارثة بن عمرو بمر الظهران بمكة‏.‏ وهم فيما يقال خزاعة‏.‏ ومروا على ماء يقال له غسان بين زبيد وزمع‏.‏ فكل من شرب منه من بني مزيقيا شفي به‏.‏ والذين شربوا منه بنو مالك وبنو الحرث وبنو جفنة وبنو كعب فكلهم يسمون غسان‏.‏ وبنو ثعلبة العتقاء لم يشربوا منه فلم يسموا به‏.‏ فمن ولد جفنة ملوك الشام الذين يأتي ذكرهم ودولتهم بالشام‏.‏ ومن ولد ثعلبة العتقاء الأوس والخزرج ملوك يثرب في الجاهلية وسنذكرهم‏.‏ ومن بطن عمرو مزيقيا بنو أفصى بن حارثة بن عمرو‏.‏ ويقال أنه أفصى بن عامر بن قمعة بلا شك بن الياس ابن مضر‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ فإن كان أسلم بن أفصى منهم فمن بني أسلم بلا شك وبنو أبان وهو سعد بن عدي بن حارثة بن عمرو‏.‏ وبنو العتيك من الأزد عمران بن عمرو‏.‏ وأما بجيلة فبلادهم في سروات البحرين والحجاز إلى تبالة وقد افترقوا على الآفاق أيام الفتح فلم يبق منهم بمواطنهم إلا القليل‏.‏ ويقدم الحاج منهم على مكة في كل عام عليهم أثر الشظف ويعرفون من أهل الموسم بالسرو وأما حالهم لأول الفتح الإسلامي فمعروف ورجالاتهم مذكورة‏.‏ فمن بطون بجيلة قسر وهو مالك بن عبقر بن أنمار وهو أحمس بن الغوث بن أنمار‏.‏ وأما بنو عريب بن زيد بن كهلان فمنهم طيء والاشعريون ومذحج وبنو مرة وأربعتهم بنو أدد بن زيد بن يشجب بن عريب‏.‏ فأما الأشعريون فهم بنو أشعر وهو نبت بن أدد وبلادهم في ناحية الشمال من زبيد‏.‏ وكان لهم ظهور أول الإسلام ثم افترقوا في الفتوحات وكان لمن بقي منهم باليمن حروب مع ابن زياد لأول إمارته عليها أيام المأمون ثم ضعفوا عن ذلك وصاروا في عدد الرعايا‏.‏ وأما بنو طيء بن أدد فكانوا باليمن وخرجوا منه على أثر الأزد إلى الحجاز ونزلوا سميرا وفيد في جوار بني أسد ثم غلبوهم على أجا وسلمى وهما جبلان من بلادهم فاستقروا بهما وافترقوا لأول الإسلام في الفتوحات‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ ومنهم في بلادهم الآن أمم كثيرة ملأوا السهل والجبل حجازاً وشاماً وعراقاً يعني قبائل طيء هؤلاء وهم أصحاب الدولة في العرب لهذا العهد في العراق والشام وبمصر منهم سنبس والثعالب بطنان مشهوران‏.‏ فسنبس بن معاوية بن شبل بن عمرو بن الغوث بن طيء ومعهم بحتر بن ثعل‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ ومنهم زبيد بن معن بن عمرو بن عس بن سلامان بن ثعل‏.‏ وهم في برية سنجار‏.‏ والثعالب بنو ثعلبة بن رومان بن جندب بن خارجة بن سعد بن قطرة بن طيء وثعلبة بن جدعا بن ذهل بن رومان‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ ومنهم بنو لام بن ثعلبة منازلهم من المدينة إلى الجبلين وينزلون في أكثر أوقاتهم مدينة يثرب والثعالب الذين بصعيد مصر من ثعلب بن عمرو بن الغوث بن طيء‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ لام بن طريف بن عمرو بن ثمامة بن مالك بن جدعا ومن الثعالب بنو ثعلبة بن ذهل بن رومان‏.‏ وبجهة بنيامين والشام بنو صخر ومن بطونهم غزية المرهوب صولتهم بالشام والعراق‏.‏ وهم بنو غزية بن أفلث بن معبد بن عمرو بن عس بن سلامان بن ثعل‏.‏ وبنو غزية كثيرون وهم في طريق الحاج بين العراق ونجد‏.‏ وكانت الرياسة على طيء في الجاهلية لبني هني بن عمرو بن الغوث ابن طيء وهم رمليون وإخوتهم جبليون‏.‏ ومن ولده إياس بن قبيصة الذي أدال به كسرى أبرويز النعمان المنذز حين قتله وأنزل طيا بالحيرة مكان لخم قوم النعمان وولى على العرب منهم إياساً هذا‏.‏ وهو إياس بن قبيصة بن أبي يعفر بن النعمان بن حبيب بن الحرث بن الحويرث بن ربيعة بن مالك بن سعد بن هني فكانت لهم الرياسة إلى حين انقراض ملك الفرس‏.‏ ومن عقب إياس هذا بنو ربيعة بن علي بن مفرح بن بدر بن سالم بن قصة بن بدر بن سميع‏.‏ ومن ربيعة شعب آل مراد وشعب آل فضل‏.‏ وآل فضل شعبان آل علي وآل مهنا‏.‏ فعلي ومهنا ابنا فضل وفضل ومراد ابنا ربيعة وسميع الذين ينسبون إليه من عقب قبيصة بن أبي يعفر‏.‏ ويزعم كثير من جهلة البادية أنه الذي جاءت به العباسة أخت الرشيد من جعفر بن يحيى زعماً كاذباً لا أصل له‏.‏ وكانت الرياسة على طيء أيام العبيديين لبني المفرح ثم صارت لبني مراد بن ربيعة وكلهم ورثوا أرض غسان بالشام وملكهم على العرب‏.‏ ثم صارت الرياسة لبني علي وبني مهنا ابني فضل بن ربيعة اقتسموها مدة ثم انفرد بها لهذا العهد بنو مهنا الملوك على العرب إلى هذا العهد بمشارف الشام والعراق وبرية نجد‏.‏ وكان ظهورهم لأمر الدولة الأيوبية ومن بعدهم من ملوك الترك بمصر والشام ويأتي ذكرهم والله وارث الأرض ومن عليها‏.‏ وأما مذحج واسمه مالك بن زيد بن أدد بن زيد بن كهلان ومنهم مراد واسمه يخابر بن مذحج ومنهم سعد العشيرة بن مذجج بطن عظيم لهم شعوب كثيرة‏.‏ منهم جعفر بن سعد العشيرة وزبيد بن صعب بن سعد العشيرة‏.‏ ومن بطون مذحج النخع ورها ومسيلة وبنو الحرث بن كعب‏.‏ فأما النخع فهو جسر بن عمرو بن علة بن جلد بن مذحج ومسيلة بن عامر بن عمرو بن علة وأما رها فهو ابن منبه بن حرب بن علة‏.‏ وبقي من مذحج وبرية ينجعون مع أحياء طيء في جملة أيام بني مهنا مع العرب بالشام زمن أحلافهم وأكثرهم من زبيد‏.‏ وأما بنو الحرث فالحرث أبوهم ابن كعب بن علة وديارهم بنواحي نجران يجاورون بها ذهل بن مزيقيا من الأزد وبني حارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد وكان نجران قبلهم لجرهم ومنهم كان ملكها الأفعى الكاهن الذي حكم بين ولد نزار بن معد لما تنافروا إليه بعد موت نزار واسمه الغلس بن غمر ماء بن همدان بن مالك بن منتاب بن زيد بن واثل بن حمير‏.‏ وكان داعية لسليمان عليه السلام بعد أن كان والياً لبلقيس على نجران وبعثته إلى سليمان فصدق وآمن وأقام على دينه بعد موته‏.‏ ثم نزل نجران بنو الحرث بن كعب علة بن جلد بن مذحج فغلبوا عليها بني الأفعى‏.‏ ثم خرجت الأزد من اليمن فمروا بهم وكانت بينهم حروب‏.‏ وأقام من أقام في جوارهم من بني نصر بن الأزد وبني ذهل بن مزيقيا واقتسموا الرياسة فنجران معهم‏.‏ وكان من بني الحرث بن كعب هؤلاء المذحجيين بنو الزياد واسمه يزيد بن قطن بن زياد بن الحرث بن مالك بن كعب بن الحرث وهم بيت مذحج وملوك نجران‏.‏ وكانت رياستهم في عبد المدان بن الديان‏.‏ وانتهت قبيل البعثة إلى يزيد بن عبد المدان‏.‏ ووفد أخوه عبد الحجر بن عبد المدان على النبي صلى الله عليه وسلم على يد خالد بن الوليد وكان بن أخيهم زياد بن عبد الله بن عبد المدان خال السفاح وولاه نجران واليمامة‏.‏ وقال ابن سعيد‏:‏ ولم يزل الملك بنجران في بني عبد المدان ثم في بني أبي الجواد منهم وكان منهم في المائة السادسة عبد القيس بن أبي الجواد ثم صار الأمر لهذا العهد إلى الأعاجم شأن النواحي كلها بالمشرق‏.‏ ثم من بطون الحرث بن كعب بنو معقل وهو ربيعة بن الحرث بن كعب‏.‏ وقد يقال إن المعقل الذين هم بالمغرب الأقصى لهذا العهد إنما هم من هذا البطن وليسوا من معقل بن كعب القضاعيين ويؤيد هذا أن هؤلاء المعقل جميعاً ينتسبون إلى ربيعة وربيعة اسم معقل هذا كما رأيت والله تعالى أعلم‏.‏ وأما بنو مرة بن أدد إخوة طيء ومذحج والأشعريين فهم أبطم كثيرة وتنتهي كلها إلى الحرث بن مرة مثل خولان ومعافر ولخم وجذام وعاملة وكندة‏.‏ فأما معافر فهم بنو يعفر بن مالك بن الحرث بن مرة وافترقوا في الفتوحات وكان منهم المنصور بن أبي عامر صاحب هشام بالأندلس‏.‏ وأما خولان واسمه أفكل بن عمرو بن مالك وعمرو وأخو يعفر وبلادهم في جبال اليمن من شرقيه وافترقوا في الفتوحات وليس منهم اليوم وبرية إلا باليمن وهم لهذا العهد‏.‏ وهمدان أعظم قبائل العرب باليمن ولهم الغلب على أهله والكثير من حصونه‏.‏ وأما لخم واسمه مالك بن عدي بن الحرث بن مرة فبطن كبير متسع ذو شعوب وقبائل منهم الدار بن هانىء بن حبيب بن انمارة بن لخم ومن أكبرهم بنو نصر بن ربيعة بن عمرو بن الحرث بن مسعود بن مالك بن عمم بن انمارة بن لخم ويقال نمارة وهم رهط آل المنذر وحافده عمرو بن عدي بن نصر هو ابن أخت جذيمة الوضاح الذي أخذ بثأره من الزبا قاتلته‏.‏ وولي الملك على العرب للأكاسرة بعد خاله جذيمة وأنزلوه بالحيرة حسبما يأتي الخبر عن ملكه وملك بنيه‏.‏ ومن شعوب بني لخم هؤلاء كان بنو عباد ملوك أشبيلية ويأتي ذكرهم‏.‏ وأما جذام واسمه عمرو بن عدي أخو لخم بن عدي فبطن متسع له شعوب كثيرة مثل غطفان وأمصى وبنو حرام بن جذام وبنو ضبيب وبنو مخرمة وبنو بعجة وبنو نفاثة وديارهم حوالي أيلة من أول أعمال الحجاز إلى الينع من أطراف يثرب‏.‏ وكانت لهما رياسة في معان وما حولها من أرض الشام لبني النافرة من نفاثة ثم لفروة بن عمرو بن النافرة منهم وكان عاملاً للروم على قومه وعلى من كان حوالي معان من العرب وهو الذي بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه وأهدى له بغلة بيضاء‏.‏ وسمع بذلك قيصر فأغرى به الحارث بن أبي شمر الغساني ملك غسان فأخذه وصلبه بفلسطين‏.‏ وبقيتهم اليوم في مواطنهم الأولى في شعبين من شعوبهم يعرف أحدهما بنو عائد وهم ما بين بلبيس من أعمال مصر إلى عقبلة أيلة إلى الكرك من ناحية فلسطين وتعرف الثانية بنو عقبة وهم من الكرك إلى الأزلم من برية الحجاز‏.‏ وضمان السابلة ما بين مصر والمدينة النبوية إلى حدود غزة من الشام عليهم‏.‏ وغزة من مواطن جرم إحدى بطون قضاعة كما مر‏.‏ وبأفريقية لهذا العهد منهم وبرية كبيرة ينتجعون مع ذياب بن سليم بنواحي طرابلس‏.‏ وأما عاملة واسمه الحرث بن عدي وهم إخوة لخم وجذام وإنما سمي الحرث عاملة بأمه القضاعية وهم بطون متسع ومواطنهم ببرية الشام‏.‏ وأما كندة وإسمه ثور بن عفير بن عدي وعفير أخو لخم وجذام‏.‏ وتعرف كندة الملوك لأن الملك كان لهم على بادية الحجاز من بني عدنان كما نذكر‏.‏ وبلادهم بجبال اليمن مما يلي حضرموت ومنها دمون التي ذكرها امرؤ القيس في شعره‏.‏ وبطونهم العظيمة ثلاثة‏:‏ معاوية بن كندة ومنه الملوك بنو الحرث بن معاوية الأصغر بن ثور بن مرتع بن معاوية والسكون وسكسك وابنهما أشرش بن كندة‏.‏ ومن السكون بطن تجيب وهم بنو عدي وبنو سعد بن أشرش بن شبيب ابن السكون وتجيب اسم أمهما‏.‏ وكان للسكون ملك بدومة الجندل وكان عليها عبد المغيث بن أكيدر بن عبد الملك بن عبد الحق بن أعمى بن معاوية بة حلاوة بن أمامة بن شكامة بن شبيب بن السكون بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك خالد بن الوليد فجاء به أسيراً وحقن صلى الله عليه وسلم دمه وصالحه على الجزية ورده إلى موضعه‏.‏ ومن معاوية بن كندة بنو حجر بن الحرث الأصغر بن معاوية بن كندة منهم حجر آكل المرار بن عمرو بن معاوية وهو حجر أبو الملوك ابن كندة الذين يأتي ذكرهم‏.‏ والحرث الولادة أخو حجر وكان من عقبه الخارجين باليمن المسلمين طالب الحق وكان أباضياً وسيأتي ذكره‏.‏ ومنهم الأشعث بن قيس بن معدي كرب بن معاوية وجبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية بن الحرث الأكبر جاهلي إسلامي وابنه محمد بن الأشعث وابنه عبد الرحمن بن الأشعث القائم على عبد الملك والحجاج وهو مشهور‏.‏ وابن عمهم أيضاً ابن عدي وهو الأذمر بن عدي بن جبلة له صحبة فيما يقال وهو الذي قتله معاوية على الثورة بأخيه زياد وخبره معروف‏.‏ هذه قبائل اليمن من قحطان استوفينا ذكر بطونهم وأنسابهم ونرجع الآن إلى ذكر من كان الملك منهم بالشام والحجاز والعراق حسبما نقصه‏.‏ والله تعالى المعين بكرمه ومنه لارب غيره ولاخير إلا خيره‏.‏

  الخبر عن ملوك الحيرة من آل المنذرمن هذه الطبقة وكيف انساق الملك إليهم ممن قبلهم

وكيف صار إلى طيء من بعدهم أما أخبار العرب بالعراق في الجيل الأول وهم العرب العاربة فلم يصل إلينا تفاصيلها وشرح حالها إلا أن قوم عاد والعمالقة ملكوا العراق والمسند في بعض الأقوال أن الضحاك بن سنان منهم كما مر‏.‏ وأما في الجيل الثاني وهم العرب المستعربة فلم يكن لهم بهم مستبد وإنما كان ملكهم به بدوياً ورياستهم في أهل الظواعن‏.‏ وكان ملك العرب كما مر في التبابعة من أهل اليمن وكانت بينهم وبين فارس حروب وربما غلبوهم على العراق وملكوه أو بعضه كما مر‏.‏ لكن اليمن لم يغلبوا ثانياً على ما ملكوا منه وقد مر إيقاع بختنصر وإثخانه فيهم ما تقدم‏.‏ وكان في سواد العراق وأطراف الشام والجزيرة الأرمانيون من بني إرم بن سام ومن كان من بقية عساكر ابن تبع من جعفر طيء وكلب وتميم وغيرهم من جرهم ومن نزل معهم بعد ذلك من تنوخ ونمارة بن لخم وقنص بن معد ومن إليهم كما قدمنا ذكر ذلك‏.‏ وكان ما بين الحيرة والفرات إلى ناحية الأنبار موطن لهم وكانوا يسمون عرب الضاحية وكان أول من ملك منهم في زمن الطوائف مالك بن فهم بن تيم الله بن أسد بن وبرة بن ثعلبة بن حلوان بن قضاعة‏.‏ وكان منزله مما يلي الأنبار‏.‏ وملك من بعده أخوه عمرو بن فهم ثم ملك من بعدهما جذيمة الأبرش اثنتي عشرة سنة‏.‏ وقد تقدم أنه صهرهما وأن مالك بن زهير بن عمرو بن فهم زوجه أخته وصاروا حلفاء مع الأزد من قوم جذيمة‏.‏ ونسب جذيمة في الأزد إلى بني زهران ثم إلى دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران وهو جذيمة بن ملك بن فهم بن غنم بن دوس هكذا قال ابن الكلبي‏.‏ ويقال‏:‏ إنه من وبار بن أقيم بن لاوذ بن سام‏.‏ وكان بنو زهران من الأزد خرجوا قبل خروج مزيقيا من اليمن ونزلوا بالعراق وقيل ساروا من اليمن مع أولاد جفنة بن مزيقيا‏.‏ الطوائف ملك‏.‏ وكان مالك بن فهم هذا من ملوكهم وكان بشاطىء الفرات من الجانب الشرقي عمرو بن الظرب بن حسان بن أدينة من ولد السميدع بن هوثر من بقايا العمالقة‏.‏ كان عمرو بن الظرب على مشارف الشام والجزيرة وكان منزله بالمضيق بين الخابور وقرقيسا فكانت بينه وبين مالك بن فهم حروب هلك عمرو في بعضها وقامت بملكه من بعده ابنته الزباء بنت عمرو واسمها نائلة عند الطبري وميسون عند ابن دريد‏.‏ قال السهيلي‏:‏ ويقال إن الزباء الملكة كانت من ذرية السميدع بن هوثر من بني قطورا أهل مكة وهو السميدع بن مرثد بالثاء المثلثة ابن لاي بن قطور بن كركي بن عملاق وهي بنت عمرو بن أدينة بن الظرب بن حسان‏.‏ وبين حسان هذا والسميدع آباء كثيرة ليست بصحيحة لبعد زمن الزباء من زمن السميدع انتهى كلام السهيلي ولم تزل الحرب بين مالك بن فهم وبين الزباء بنت عمرو إلى أن ألجأها إلى أطراف مملكتها‏.‏ وكان يغير على ملوك الطوائف حتى غلبهم على كثير مما في أيديهم‏.‏ قال أبو عبيدة‏:‏ وهو أول ملك كان بالعراق من العرب وأول من نصب المجانيق وأوقد الشموع وملك ستين سنة‏.‏ ولما هلك قام بأمره من بعد جذيمة الوضاح ويقال له الأبرش وكان يكنى بأبي مالك وهو منادم الفرقدين‏.‏ قال أبو عبيدة‏:‏ كان جذيمة بعد عيسى بثلاثين سنة فملك أزمان الطوائف خمساً وسبعين سنة وأيام أردشير كلها خمس عشرة سنة وثماني سنين من أيام سابور‏.‏ وكان بينه وبيز الزباء سلم وحرب‏.‏ ولم تزل تحاول الثأر منه بأبيها حتى تحيلت عليه وأطمعته في نفسها فخطبها وأجابته‏.‏ وأجمع المسير إليها وأبى عليه وزيره قصير بن سعد فعصا ودخل إليها ولقيته بالجنود وأحس بالشر فنجا قصير ودخل جذيمة إلى قصرها فقطعت رواهشه وأجرت دمه إلى أن هلك في حكاية منقولة في كتب الإخباريين‏.‏ قال الطبري‏:‏ وكان جذيمة من أفضل ملوك العرب رأياً وأبعدهم مغاراً وأشدهم حزماً وأول من استجمع له الملك بأرض العراق وسرى بالجيوش‏.‏ وكان به برص فكنوا عنه بالوضاح إجلالاً له‏.‏ وكانت منازله بين الحيرة والأنبار وهيت ونواحيها وعين التمر وأطراف البر إلى العمق والقطقطانية وجفنة‏.‏ وكانت تجبى إليه الأموال وتفد إليه الوفود وغزا في بعض الأيام طسماً وجديساً في منازلهم باليمامة‏.‏ ووجد حسان بن تبع قد أغار عليهم فانكفأ هو راجعاً بمن معه وأتت خيول حسان على سرايا فأجاحوها وكان أكثر غزو جذيمة للعرب العاربة وكان قد تكهن وأدعى النبوة‏.‏ وكانت منازل إياد بعين أباغ سميت باسم رجل من العمالقة نزل بها‏.‏ وكان جذيمة كثيراً ما يغزوهم حتى طلبوا مسالمته‏.‏ وكان بينهم غلام من لخم من بني أختهم وكانوا أخوالاً له وهو عدي بن نصر بن ربيعة بن عمرو بن الحرث بن مسعود بن مالك بن عمرو بن نمارة بن لخم‏.‏ وكان له جمال وضرب وطلبه منهم جذيمة فامتنعوا من تسميمه إليه فألح عليهم الغزو وبعثت إياد من سرق لهم صنمين كانا عند جذيمة يدعو بهما ويستسقي بهما وعرفوه أن الصنمين عندهم وأنهم يردونهما بشريطة رفع الغزو عنهم فأجابهم إلى ذلك بشريطة أن يبعثوا مع الصنمين عدي بن نصر فكان ذلك‏.‏ ولما جاء عدي بن نصر استخلصه لنفسه وولاه شرابه وهويته رقاش أخته فراسلته فدافعها بالخشية من جذيمة فقالت له اخطبني منه إذا أخذت الخمر منه واشهد عليه القوم ففعل وأعرس بها من ليلته‏.‏ وأصبح مضرجاً بالخلوق وراب جذيمة شأنه ثم أعلم بما كان منه فعض على يديه آسفاً‏.‏ وهرب عدي فلم يظهر له أثر ثم سألها في أبيات شعر معروفة فأخبرته بما كان منه فعرف عذرها وكف‏.‏ وأقام عدي في أخواله إياد إلى أن هلك‏.‏ وولدت رقاش منه غلاماً وسمته عمرا وربي عند خاله جذيمة وكان يستظرفه‏.‏ ثم استهوته الجن فغاب وضرب له جذيمة في الآفاق إلى أن ردده عليه وافدان من العتقا ثم من قضاعة وهما مالك وعقيل ابنا فارج بن مالك بن العنس أهديا له طرفاً ومتاعاً ولقيا عمراً بطريقهما وقد ساءت حاله وسألاه فأخبرهما باسمه ونسبه فأصلحا من شأنه وجاآ به إلى جذيمة بالحيرة فسر به وسرت أمه‏.‏ وحكم الرجلين فطلبا منادمته فأسعفهما وكانا ينادمانه حتى ضرب المثل بهما وقيل ندماني جذيمة‏.‏ والقصة مبسوطة في كتب الإخباريين بأكثر من هذا‏.‏ قال الطبري‏:‏ وكان ملك العرب بأرض الحيرة ومشارف الشام عمرو بن ظرب بن حسان بن أدينة بن السميدع بن هوثر العملاقي فكانت بينه وبين جذيمة حرب قتل فيها عمرو بن الظرب وفضت جموعه‏.‏ وملكت بعده بنته الزبا واسمها نائلة وجنودها بقايا العمالقة من عاد الأولى ومن نهد وسليح ابني حلوان ومن كان معهم من قبائل قضاعة وكانت تسكن على شاطىء الفرات وقد بنت هنالك قصراً وتربع عند بطن المجافز وتصيف بتدمر‏.‏ ولما استحكم لها الملك أجمعت أخذ الثأر من جذيمة بأبيها فبعثت إليه توهمه الخطبة وأنها امرأة لا يليق بها الملك فيجمع ملكها إلى ملكه فطمع في ذلك ووافقه قومه وأبى عليه منهم قصير بن سعد بن عمرو بن جذيمة بن قيس بن أربى بن نمارة بن لخم وكان حازماً ناصحاً وحذره عاقبة ذلك فعصاه واستشار ابن أخته عمرو بن عدي فوافقه فاستخلفه على قومه وجعل على خيوله عمرو بن عبد الحق‏.‏ وسار هو على غربي الفرات إلى أن نزل رحبة مالك ابن طوق‏.‏ وأتته الرسل منها بالألطاف والهدايا ثم استقبلته الخيول‏.‏ فقال له قصير إن أحاطت بك الخيول فهو الغدر فاركب فرسك العصا وكانت لا تجارى‏.‏ فأحاطت به الخيول ودخل جذيمة على الزبا فقطعت رواهشه فسال دمه حتى نزل ومات‏.‏ وقدم قصير على عمرو بن عدي وقد اختلف عليه قومه ومال جماعة منهم إلى عمرو بن عبد الجن فأصلح أمرهم حتى انقادوا جميعاً لعمرو بن عدي‏.‏ وأشار عليه بطلب الثأر من الزبا بخاله جذيمة وكانت الكاهنة قد عرفتها بملكها وأعطتها علامات عمرو فحذرته وبعثت رجلاً من مصوراً يصور لها عمراً في جميع حالاته فسار إليه متنكراً واختلط بحشمه وجاء إليها بصورته فاستثبتته وتيقنت أن مهلكها منه‏.‏ واتخذت نفقاً في الأرض من مجلسها إلى حصن داخل مدينتها‏.‏ وعمد عمرو إلى قصير فجدع أنفه بمواطأة منه على ذلك فلحق بالزبا يشكو ما أصابه من عمرو وأنه إتهمه بمداخلة الزبا في أمر خاله جذيمة وما رأيت بعدما فعل بي أنكى له من أن أكون معك فأكرمته وقربته حتى إذا رضي منها من الوثوق به أشار عليها بالتجارة في طرق العراق وأمتعته فأعطته مالاً وحميراً‏.‏ وذهب إلى العراق ولقي عمرو بن عدي بالحيرة فجهزه بالطرف والأمتعة كيما يرضيها‏.‏ وأتاها بذلك فازدادت به وثوقاً وجهزته بأكثر من الأولى‏.‏ ثم عاد الثالثة وحمل بغاة الجند من أصحاب عمرو في الغرائر على الجمال وعمرو فيهم وتقدم فبشرها بالعير وبكثرة ما حمل إليها من الطرف فخرجت تنظر فانكرت ما رأته في الجمال من التكارد‏.‏ ثم دخلت العير المدينة فلما توسطت أنيخت وخرج الرجال وبادر عمرو إلى النفق فوقف عنده ووضع الرجال سيوفهم في أهل البلد وبادرت الزبا إلى النفق فوجدت عمراً قائماً عنده فلحمها بالسيف وماتت وأصاب ما أصاب من المدينة وانكفأ راجعاً‏.‏ قال الطبري‏:‏ وعمرو بن عدي أول من اتخذ الحيرة منزلاً من ملوك العرب وأول من تجده أهل الحيرة في كتبهم من ملوك العرب بالعراق وإليه ينسبون وهم ملوك آل نصر‏.‏ ولم يزل عمرو بن عدي ملكاً حتى مات وهو ابن مائة وعشرين سنة مستبداً منفرداً يغزوهم ويغنم‏.‏ وتفد عليه الوفود ولا يدين لملوك الطوائف ولا يدينون له حتى قدم أردشير بن بابك في أهل فارس‏.‏ قال الطبري‏:‏ وإنما ذكرنا في هذا الموضع أمر جذيمة وابن أخته عمرو بن عدي لما قدمناه عند ذكر ملوك اليمن وأنهما لم يكن لهم ملك مستفحل وإنما كانوا طوائف على المخاليف يغير كل واحد على صاحبه إذا استغفله ويرجع خوف الطلب‏.‏ حتى كان عمرو بن عدي فاتصل له ولعقبه الملك على من كان بنواحي العراق وبادية الحجاز بالعرب فاستعمله ملوك فارس على ذلك إلى آخر أمرهم‏.‏ وكان أمر آل نصر هؤلاء ومن كان من ولاة الفرس وعمالهم على العرب معروفاً مثبتاً عندهم في كنائسهم وأشعارهم‏.‏

وقال هشام بن الكلبي‏:‏ كنت أستخرج أخبار العرب وأنسابهم وأنساب آل نصر بن ربيعة ومبالغ أعمار من ولي منهم لآل كسرى وتاريخ نسبهم من كتبهم بالحيرة‏.‏ وأما ابن إسحق فذكر في آل نصر ومصيرهم إلى العراق أن ذلك كان بسبب الرؤيا التي رآها ربيعة بن نصر وعبرها الكاهنان شق وسطيح‏.‏ وفيها أن الحبشة يغلبون على ملكهم باليمن‏.‏ قال‏:‏ فجهز بنيه وأهل بيته إلى العراق بما يصلحهم وكتب لهم إلى ملك من ملوك فارس يقال له سابور بن خرازاد فأسكنهم الحيرة‏.‏ ومن بقية ربيعة بن نصر كان النعمان بن المنذر بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر‏.‏ وقد يقال أن المنذر من أعقاب ساطرون ملك الحضر من تنوخ قضاعة‏.‏ رواه ابن إسحق من علماء الكوفة ورواه عن جبير بن مطعم‏.‏ قال‏:‏ لما أتى عمر رضي الله عنه بسيف النعمان دعا بجبير بن مطعم وكان أنسب قريش لقريش والعرب تعلمه من أبي بكر رضي الله عنه فسلمه إياه‏.‏ ثم قال‏:‏ ممن كان النعمان يا جبير قال‏:‏ كان من أسلاف قنص بن معد‏.‏ قال السهيلي‏:‏ كان ولد قنص بن معد انتشروا بالحجاز فوقعت بينهم وبين بني أبيهم حرب وتضايق بالبلاد وأجدبت الأرض فساروا نحو سواد العراق وذلك في أيام ملوك الطوائف فقاتلهم الأردوانيون وبعض ملوك الطوائف وأجلوهم عن السواد وقتلوهم إلا أشلاء لحقت بقبائل العرب ودخلوا فيهم فانتسبوا إلهم‏.‏ قال الطبري‏:‏ حين سأله عمر عن النعمان قال‏:‏ كانت العرب تقول أن أشلاء قنص بن معد وهم من ولد عجم بن قنص إلا أن الناس صحفوا عجم وجعلوا مكانه لخم‏.‏ قال ابن إسحق‏:‏ وأما سائر العرب فيقولون النعمان بن المنذر رجل من لخم ربي بين ولد ربيعة بن نصر‏.‏ ولما هلك عمرو بن عدي ولي بعده على العرب وسائر من ببادية العراق والحجاز والجزيرة امرؤ القيس بن عمرو بن عدي ويقال له البدء وهو أول من تنصر من ملوك آل نصر وعمال الفرس وعاش فيما ذكر هشام بن الكلبي مائة وأربع عشرة سنة‏.‏ منها أيام سابور ثلاثاً وعشرين سنة وأيام هرمز بن سابور سنة واحدة وأيام بهرام بن هرمز ثلاث سنين وأيام بهرام بن بهرام ثماني عشرة سنة‏.‏ ومن أيام سابور سبعون سنة‏.‏ وهلك لعهده فولي مكانه ابنه عمرو بن امرىء القيس البدء فأقام في ملكه ثلاثين سنة بقية أيام سابور بن سابور‏.‏ ثم ولي مكانه أوس بن قلام العمليقي فيما قال هشام بن محمد وهو من بني عمرو بن عملاق‏.‏ فأقام في ولايته خمس سنين ثم سار به جحجبا بن عتيك بن لخم فقتله وولي مكانه‏.‏ ثم هلك في عهد بهرام بن سابور وولي من بعده امرؤ القيس بن عمرو خمساً وعشرين سنة وهلك أيام يزدجرد الأثيم‏.‏ فولي مكانه ابنه النعمان بن امرىء القيس وأمه شقيقة بنت ربيعة بن ذهل بن شيبان وهو صاحب الخورنق‏.‏ ويقال إن سبب بنائه إياه أن يزدجرد الأثيم دفع إليه ابنه بهرام جور ليربيه وأمره ببناء هذا الخورنق مسكناً له وأسكنه إياه‏.‏ ويقال‏:‏ إن الصانع الذي بناه كان اسمه سنمار وأنه لما فرغ من بنائه ألقاه من أعلاه فمات من أجل محاورة وقعت اختلف الناس في نقلها والله أعلم بصحتها‏.‏ وذهب ذلك مثلاً بين العرب في قبح الجزاء ووقع في أشعارهم منه كثير وكان النعمان هذا من أفحل ملوك آل نصر وكانت له سنانان إحداهما للعرب والأخرى للفرس‏.‏ وكان يغزو بهما بلاد العرب بالشام ويدوخها‏.‏ وأقام في ملكه ثلاثين سنة ثم زهد وترك الملك ولبس المسوح وذهب فلم يوجد له أثر‏.‏ قال الطبري‏:‏ وأما العلماء بأخبار الفرس فيقولون‏:‏ إن الذي تولى تربية بهرام هو المنذر بن النعمان بن امرىء القيس دفعه إليه يزدجرد الأثيم لإشارة كانت عنده فيه من المنجمين فأحسن تربيته وتأديبه وجاءه بمن يلقنه الخلال من العلوم والآداب والفروسية والنقابة حتى اشتمل على ذلك كله بما رضيه‏.‏ ثم رده إلى أبيه فأقام عنده قليلاً ولم يرض بحاله ووفد على أبيه وافد قيصر وهو أخوه قياودس فقصده بهرام أن يسأل له من أبيه الرجوع إلى بلاد العرب فرجع ونزل على المنذر ثم هلك يزدجرد فاجتمع أهل فارس وولوا عليهم شخصاً من ولد أردشير وعدلوا عن بهرام لمرباه بين العرب وخلوه عن آداب العجم‏.‏ وجهز المنذر العساكر لبهرام لطلب ملكه وقدم ابنه النعمان فحاصر مدينة الملك ثم جاء على أثره بعساكر العرب وبهرام معه‏.‏ فأذعن له فارس وأطاعوه واستوهب المنذر ذنوبهم من بهرام فعفا عنهم واجتمع أمره‏.‏ ورجع المنذر إلى بلاده وشغل باللهو وطمع فيه الملوك حوله وغزاه خاقان ملك الترك في خمسين ألفاً من العساكر‏.‏ وسار إليه بهرام فانتهى إلى أذربيجان ثم إلى أرمينية ثم ذهب يتصيد وخلف أخوه نرسي على العساكر فرماه أهل فارس بالجبن وأنه خار عن لقاء الترك فراسلوا خاقان في الصلح على ما يرضاه فرجع عنهم‏.‏ وانتهى الخبر بذلك إلى بهرام فسار في اتباعه وبيته فانفض بعسكره وقتله بيده‏.‏ واستولى بهرام على ما في العساكر من الأثقال والذراري وظفر بتاج خاقان وأكليله وسيفه بما كان فيه من الجواهر واليواقيت وأسر زوجته وغلب على ناحية من بلاده فولى عليها بعض مرازبته وأذن له في الجلوس على سرير الفضة وأغزى ما وراء النهر فدانوا بالجزية وانصرف إلى أذربيجان فجعل سيف خاقان وأكليله معلقاً ببيت النار وأخدمه خاتون امرأة خاقان‏.‏ ورفع الخراج عن الناس ثلاث سنين شكراً لله تعالى على النصر وتصدق بعشرين ألف ألف درهم مكررة مرتين‏.‏ وكتب بالخبر إلى النواحي‏.‏ وولى أخاه نرسي على خراسان واستوزر له بهرنرسي بن بدارة بن فرخزاد ووصل الطبري نسبه من هنا بعد أربعة فكان رابعهم أشك بن دارا وأغزى بهرام أرض الروم في أربعين ألفاً فانتهى إلى القسنطينية ورجع‏.‏ قال هشام بن الكلبي‏:‏ ثم جاء الحرث ابن عمرو بن حجر الكندي في جيش عظيم إلى بلاد معد والحيرة وقد ولاه تبع بن حسان بن تبع فسار إليه النعمان بن امرىء القيس بن الشقيقة وقاتله فقتل النعمان وعدة من أهل بيته وانهزم أصحابه وأفلت المنذر بن النعمان الأكبر وأمه ماء السماء امرأة من اليمن‏.‏ وتشتت ملك آل النعمان وملك الحرث بن عمرو ما كانوا يملكونه‏.‏ وقال غير هشام بن الكلبي إن النعمان الذي قتله الحرث هو ابن المنذر بن النعمان وأمه هند بنت زيد مناة بن زيد الله بن عمرو بن ربيعة بن ذهل بن شيبان وهو الذي أسرته فارس‏.‏ ملك عشرين سنة منها في أيام فيروز بن يزدجرد عشر سنين وأيام يلاوش بن يزدجرد أربع سنين وفي أيام قباذ بن فيروز ست سنين‏.‏ قال هشام بن محمد الكلبي‏:‏ ولما ملك الحرث بن عمرو ملك آل النعمان بعث إليه قباذ يطلب لقاءه وكان مضعفاً فجاءه الحرث وصالحه على أن لا يتجاوز بالعرب الفرات‏.‏ ثم استضعفه فأطلق العرب للغارة في نواحي السواد وراء الفرات فسأله اللقاء بابنه واعتذر إليه أشظاظ العرب وأنه لا يضبطهم إلا المال فاقطعه جانباً من السواد‏.‏ فبعث الحرث إلى ملك اليمن تبع يستنهضه بغزو فارس في بلادهم ويخبره بضعف ملكهم فجمع وسار حتى نزل الحيرة وبعث ابن أخيه شمراً ذا الجناح إلى قباذ فقاتله واتبعه إلى الري فقتله‏.‏ ثم سار شمر إلى خراسان وبعث تبع ابنه حسان إلى الصعد وأمرهما معاً أن يدوخا أرض الصين‏.‏ وبعث ابن أخيه يعفر إلى الروم فحاصر القسطنطينية حتى أعطوا الطاعة والأتاوة‏.‏ وتقدم إلى رومة فحاصرها‏.‏ ثم أصابهم الطاعون ووهنوا له فوثب عليهم الروم فقتلوهم جميعاً‏.‏ وتقدم شمر إلى سمرقند فحاصرها واستعمل الحيلة فيها فملكها‏.‏ ثم سار إلى الصين وهزم الترك ووجد أخاه غسان قد سبقه إلى الصين منذ ثلاث سنين فأقاما هنالك إحدى وعشرين سنة إلى أن هلك‏.‏ قال‏:‏ والصحيح المتفق عليه أنهما رجعا إلى بلادهما بما غنماه من الأموال والذخائر وصنوف الجواهر والطيوب‏.‏ وسارى حتى قدم مكة ونزل شعب حجاز وكانت وفاته باليمن بعد أن ملك مائة وعشرين سنة‏.‏ ولم يخرج أحد بعده من ملوك اليمن غازياً‏.‏ ويقال‏:‏ إنه دخل في دين اليهود للأحبار الذين خرجوا معه من يثرب‏.‏ وأما ابن إسحق فعنده أن الذي سار إلى المشرق من التبابعة تبع الأخير وهو تبان أسعد أبو كرب‏.‏ قال هشام بن محمد‏:‏ وولي أنوشروان بعد الحرث بن عمرو المنذر بن النعمان الذي أفلت يوم قتل أبوه ونزل الحيرة‏.‏ وأبوه هو النعمان الأكبر‏.‏ فلما قوي سلطان أنوشروان واشتد أمره بعث إلى المنذر فملكه الحيرة وما كان يليه الحرث بن عمرو آكل المرار فلم يزل كذلك حتى هلك‏.‏ قال‏:‏ وملك العرب من قبل الفرس بعد الأسود بن المنذر أخوه المنذر بن المنذر وأمه ماوية بنت النعمان سبع سنين‏.‏ ثم ملك بعده النعمان بن الأسود بن المنذر وأمه أم الملك أخت الحرث بن عمرو أربع سنين‏.‏ ثم استخلف أبو يعفر بن علقمة بن مالك بن عدي بن الذميل بن ثور بن أسد بن أربى بن نمارة بن لخم ثلاث سنين‏.‏ ثم ملك المنذر بن امرىء القيس وهو ذو القرنين لضفيرتين كانتا له من شعره وأمه ماء السماء بنت عوف بن جشم بن هلال بن ربيعة بن زيد مناة بن عامر بن الضبيب بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط‏.‏ فملك تسعاً وأربعين سنة‏.‏ ثم ملك ابنه عمرو بن المنذر وأمه هند بنت الحرث بن عمرو بن حجر آكل المرار ست عشرة سنة ولثمان سنين من ملكه كان عام الفيل الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ ثم ولى عمرو بن هند شقيقه قابوس أربع سنين سنة منها أيام أنوشروان وثلاثة أيام ابنه هرمز‏.‏ ثم ولى بعده أخوهما المنذر أربع سنين‏.‏ ثم ولى بعده النعمان بن المنذر وهو أبو قابوس اثنين وعشرين سنة منها ثمان سنين أيام هرمز وأربع عشرة أيام أبرويز‏.‏ وفي أيام النعمان هذا اضمحل ملك آل نصر بالجزيرة‏.‏ وعليه أنقرض‏.‏ وهو الذي قتله كسرى أبرويز وأبدل منه في الولاية على الحيرة والعرب باياس بن قبيصة الطائي‏.‏ ثم رد رياسة الحيرة لمرازبة فارس إلى أن جاء الإسلام وذهب ملك فارس‏.‏ وكان الذي دعا أبرويز إلى قتله سعاية زيد بن عدي العبادي فيه عند أبرويز بسبب أن النعمان قتل أباه عدي بن زيد‏.‏

  الخبر عن ذلك أن عدي بن زيد

كان من تراجمة أبرويز وكان سبب قتل النعمان أن أباه وهو زيد بن حماد بن أيوب ابن محروب بن عامر بن قبيصة بن امرىء القيس بن زيد مناة والد عدي هذا كان جميلاً شاعراً خطيباً وقارئاً كتاب الحرب والفرس وكانوا أهل بيت يكونون مع الأكاسرة ويقطعونهم القطائع على أن يترجموا عندهم عن العرب‏.‏ وكان المنذر بن المنذر لما ملك جعل ابنه النعمان في حجر عدي فأرضعه أهل بيته ورباه قوم من أشراف الحيرة ينسبون إلى لخم ويقال لهم بنو مرسي وكان للمنذر بن المنذر عشرة سوى النعمان يقال لهم الأشاهب لجمالهم وكان النعمان من بينهم أحمر أبرش قصيراً أمه سلمى بنت وائل بن عطية من أهل فدك كانت أمة للحرث بن حصن بن ضمضم بن عدي بن جناب بن كلب‏.‏ وكان قابوس بن المنذر الأكبر عم النعمان بعث إلى أنوشروان بعدي بن زيد وإخوته فكانوا في كتابه يترجمون له‏.‏ فلما مات المنذر أوصى على ولده إياس بن قبيصة الطائي وجعل أمره كله بيده فأقام على ذلك شهراً‏.‏ ونظر أنوشروان فيمن يملكه على العرب وشاور عدي بن زيد واستنصحه في بني المنذر فقال بقيتهم في بني المنذر بن المنذر فاستقدمهم كسرى وأنزلهم على عدي‏.‏ وكان هواه مع النعمان فجعل يرعى إخوته تفضيلهم عليه ويقول لهم‏:‏ إن أشار عليكم كسرى بالملك وبمن يكفوه أمر العرب تكفلوا بشأن ابن أخيكم النعمان وشمر للنعمان إن سأله كسرى عن شأن إخوته أن يتكفله ويقول‏:‏ إن عجزت عنهم فأنا عن سواهم أعجز‏.‏ وكان مع أخيه الأسود بن المنذر رجل من بني مرسي الذين ربوهم اسمه عدي بن أوس بن مرسي فنصحه في عدي أعلمه أنه يغشه فلم يقبل‏.‏ ووقف كسرى على مقالاتهم فمال إلى النعمان وملكه وتوجه بقيمة ستين ألف دينار ورجع إلى الحيرة ملكاً على العرب وعدي بن أوس في خدمته‏.‏ وقد أضمر السعايا بعدي بن زيد فكان يظهر الثناء عليه ويتواصى به مع أصحابه وأن يقولوا مثل قوله إلا أنه يستصغر النعمان ويزعم أنه ملكه وأنه عامله حتى آسفوه بذلك وبعث إليه في الزيارة فأتاه وحبسه‏.‏ ثم ندم وخشي عاقبة إطلاقه فجعل يمنيه‏.‏ ثم خرج النعمان إلى البحرين وخالفه جفنة ملك غسان إلى الحيرة وغار عليها ونال منها‏.‏ وكان عدي بن زيد كتب إلى أخيه عند كسرى يشعره بطلب الشفاعة من كسرى إلى النعمان فجاء الشفيع إلى الحيرة وبها خليفة النعمان وجاء إلى عدي فقال له أعطني الكتاب أبعثه أنا ولازمني أنت هنا لئلا اقتل‏.‏ وبعث أعداؤه من بني بقيلة إلى النعمان بأن رسول كسرى دخل عنده فبعث من قتله فلما وفد وافد كسرى في الشفاعة أظهر له الإجابة وأحسن له بأربعة آلاف دينار وجارية وأذن له أن يخرجه من محبسه‏.‏ فوجده قد مات منذ ليال‏.‏ فجاء إلى النعمان مثرباً‏.‏ فقال‏:‏ والله لقد تركته حياً‏.‏ فقال‏:‏ وكيف تدخل إليه وأنت رسول إلي فطرده فرجع إلى كسرى وأخبره بموته وطوى عنه ما كان من دخوله إليه‏.‏ ثم ندم النعمان على قتله ولقي يوماً وهو يتصيد ابنه زيداً فاعتذر إليه من أمر أبيه‏.‏ وجهزه إلى كسرى ليكون خليفة أبيه على ترجمة العرب فأعجب به كسرى وقربه وكان أسيراً عنده‏.‏ ثم أن كسرى أراد خطبة بنات العرب فأشار عليه عدي بالخطبة في بني منذر فقال له كسرى‏:‏ اذهب إليهم في ذلك فقال‏:‏ إنهم لا ينكحون العجم ويستريبون في ذلك فابعث معي من يفقه العربية فلعلي آتيك بغرضك‏.‏ فلما جاء إلى النعمان قال لزيد‏:‏ إما في عير السواد وفارس ما يغنيكم عن بناتنا وسألى الرسول عن العير فقال له زيد‏:‏ هي البقر‏.‏ ثم رجعا إلى كسرى بالخيبة‏.‏ وأغراه زيد فغضب كسرى وحقدها على النعمان‏.‏ ثم استقدمه بعد حين لبعض حاجاته وقال له‏:‏ لا بد من المشافهة لأن الكتاب لا يسعها ففطن فذهب إلى طيء وغيرهم من قبائل العرب ليمنعوه فأبوا وفرقوا من معاداة كسرى إلا بني رواحة بن سعد من بني عبس فإنهم أجابوه لو كانوا يغنون عنه فعذرهم وانصرف عنهم إلى بني شيبان بذي قار والرياسة فيهم لهانىء بن مسعود بن عامر بن الخطيب بن عمرو المزدلف ابن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان ولقيس بن خالد بن ذي الخدين وعلم أن هانئاً يمنعه وكان كسرى قد أقطعه‏.‏ فرجع إليه النعمان ماله ونعمه وحلقته وهي سلاح ألف فارس شاكه‏.‏ وسار إلى كسرى فلقيه زيد بن عدي بساباط وتبين الغدر فلما بلغ إلى كسرى قيده وأودعه السجن إلى أن هلك فيه بالطاعون ودعا ذلك إلى واقعة ذي قار بين العرب وفارس‏.‏ وذلك أن كسرى لما قتل النعمان استعمل إياس بن قبيصة الطائي على الحيرة مكان النعمان ليده التي أسلفها طيء عند كسرى يوم واقعة بهرام على أبرويز وطنب من النعمان فرسه ينجو عليها فأبى‏.‏ واعترضه حسان بن حنظلة بن جنة الطائي وهو ابن عم إياس بن قبيصة فأركبه فرسه ونجا عليه‏.‏ ومر في طريقه بإياس فأهدى له فرساً وجزوراً‏.‏ فرعى له أبرويز هذه الوسائل وقدم إياساً مكان النعمان وهو إياس بن قبيصة بن أبي عمير بن النعمان بن جنة‏.‏ فلما هلك النعمان بعث إياس إلى هانىء بن مسعود في حلقة النعمان ويقال كانت أربعمائة درع وقيل ثمانمائة فمنعها هانىء وغضب كسرى وأراد استئصال بكر بن وائل وأشار عليه النعمان بن زرعة من بني تغلب أن يمهل إلى فصل القيظ عند ورودهم مياه ذي قار‏.‏ فلما قاظوا ونزلوا تلك المياه جاءهم النعمان بن زرعة يخيرهم في الحرب أو إعطاء اليد فاختاروا الحرب‏.‏ اختاره حنظلة بن سنان العجلي وكانوا قد ولوه أمرهم وقال لهم إنما هو الموت قتلاً إن أعطيتم باليد أو عطشاً إن هربتم‏.‏ وربما لقيكم بنو تميم فقتلوكم‏.‏ ثم بعث كسرى إلى إياس بن قبيصة أن يسير إلى حربهم ويأخذ معه مسالح فارس وهم الجند الذين كانوا معه بالقطقطانية وبارق وتغلب وبعث إلى قيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن ذي الخدين وكان على طف شقران أن يوافي إياساً فجاءت الفرس معها الجنود والأفيال عليها الأساورة‏.‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بالمدينة فقال اليوم انتصف العرب من العجم ونصروا‏.‏ وحفظ ذلك اليوم فإذا هو يوم الوقعة‏.‏ ولما تواقف الفريقان جاء قيس بن مسعود إلى هانىء وأشار عليه أن يفرق سلاح النعمان على أصحابه ففعل‏.‏ واختلف هانىء بن مسعود وحنظلة بن ثعلبة بن سنان فأشار هانىء بركوب الفلاة وقطع حنظلة حزم الرجال وضرب على نفسه وآلى أن لا يفر ثم استقوا الماء لنصف شهر واقتتلوا وهرب العجم من العطش واتبعهم بكر بن وعجل فاصطف العجم وقاتلوا وصبروا وراسلت إياد بكر بن وائل‏:‏ إنا نفر عند اللقاء فصحبوهم واشتد القتال وقطعوا الآمال حتى سقطت الرجال إلى الأرض ثم حملوا عليهم‏.‏ واعترضهم يزيد بن حماد السكوني في قومه كان كميناً أمامهم فشدوا على إياس بن قبيصة ومن معه من العرب فولت إياد منهزمة‏.‏ وانهزمت الفرس وجاوزوا الماء في حر الظهيرة في يوم قائظ فهلكوا أجمعين قتلاً وعطشاً‏.‏ وأقام إياس في ولاية الحيرة مكان النعمان ومعه الهمرجان من مرازبة فارس تسع سنين‏.‏ وفي الثامنة منها كانت البعثة‏.‏ وولي بعده على الحيرة آخر من المرازبة اسمه زاذويه بن ماهان الهمذاني سبع عشرة سنة إلى أيام بوران بنت كسرى‏.‏ ثم ولي المنذر بن النعمان بن المنذر وتسميه العرب الغرور اذي قتل بالبحرين يوم أجداث‏.‏ ولما زحف المسلمون إلى العراق ونزل خالد بن الوليد الحيرة حاصرهم بقصورها فلما أشرفوا على الهلكة خرج إليهم إياس بن قبيصة في أشراف أهل الحيرة وأتقى من خالد والمسلمين بالجزية فقبلوا منه وصالحهم على مائة وستين ألف درهم‏.‏ وكتب لهم خالد بالعهد والأمان وكانت أول جزية بالعراق‏.‏ وكان فيهم هانىء بن قبيصة أخو إياس بن قبيصة بالقصر الأبيض وعدي بن عدي العبادي بن عبد القيس وزيد بن عدي بقصر العدسيين وأهل نصر بني عدس من قصور الحيرة وهو بنو عوان بن عبد المسيح بن كلب بن وبرة وأهل قصر بني بقيلة لأنه خرج على قومه في بردين أخضرين فقالوا‏:‏ يا حارث ما أنت إلا بقيلة خضراء وعبد المسيح هذا هو المعمر وهو الذي بعثه كسرى أبرويز إلى سطيح في شأن رؤيا المرزبان‏.‏ ولما صالح إياس بن قبيصة المسلمين وعقد لهم الجزية سخطت عليه الأكاسرة وعزلوه‏.‏ فكان ملكه تسع سنين ولسنة منها وثمانية أشهر كانت البعوث وولي حينئذ الخلافة عمر بن الخطاب‏.‏ وعقد لسعد بن أبي وقاص على حرب فارس‏.‏ فكان أول عمل يزدجرد أن أمر مرزبان الحيرة أن يبعث قابوس بن قابوس بن المنذر وأغراه بالعرب ووعده بملك آبائه‏.‏ وقال له ادع العرب وأنت على من أجابك كما كان آباؤك‏.‏ فنهض قابوس إلى القادسية ونزلها وكاتب بكر بن وائل بمثل ما كان للنعمان فكاتبهم مقاربةً ووعداً‏.‏ وانتهى الخبر إلى المثنى بن حارثة الشيباني عقب مهلك أخيه المثنى وقبل وصول سعد فأسرى من ذي قار وبيت قابوس بالقادسية ففض جمعه وقتله‏.‏ وكان آخر من بقي من ملوك آل نصر بن ربيعة وانقرض أمرهم مع زوال ملك فارس‏.‏ وقد كان المغيرة بن شعبة تزوج هنداً بنت النعمان وسعد بن أبي وقاص تزوج صدقة بنت النعمان وخبرهما معروف ذكره المسعودي وغيره‏.‏ وعدة ملوك إلى نصر عند هشام بن الكلبي عشرون ملكاً ومدتهم خمسمائة وعشرون سنة‏.‏ وعند المسعودي ثلاث وعشرون ملكاً ومدتهم ستمائة وعشرون سنة‏.‏ قال‏:‏ وقد قيل أن مدة عمران الحيرة إلى أن خربت عند بناء الكوفة خمسمائة سنة‏.‏ قال‏:‏ ولم يزل عمرانها يتناقص إلى أيام المعتضد ثم أقفرت‏.‏ وفيما نقله بعض الإخباريين أن خالداً بن الوليد قال لعبد المسيح‏:‏ أخبرني بما رأيت من الأيام قال نعم‏!‏ قال‏:‏ رأيت المرأة من الحيرة تضع مكتلها على رأسها ثم تخرج حتى تأتي الشام في قرى متصلة وبساتين ملتفة وقد أصبحت اليوم خراباً والله يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين‏.‏ هذا ترتيب الملك من ولد نصر بن ربيعة بن كعب بن عمرو بن عدي الأول منهم وهو الترتيب الذي ذكره الطبري عن ابن الكلبي وغيره وبين الناس فيه خلاف في ترتيب ملوكهم بعد اتفاقهم على أن الذي ملك بعد عمرو بن عدي ابنه امرؤ القيس ثم ابنه عمرو بن امرىء القيس وهو الثالث منهم‏.‏ قال علي بن عبد العزيز الجرجاني في أنسابه بعد ذكر عمرو هذا‏:‏ ثم ثار أوس بن قلام العملقي وملك فثار به جحجب بن عتيك اللخمي فقتله وملك‏.‏ ثم ملك من بعده امرؤ القيس البدء بن عمرو الثالث ثم ملك من بعده ابنه النعمان الأكبر ابن امرىء القيس بن الشقيقة وهو الذي ترك الملك وساح ثم ملك من بعده ابنه المنذر ثم ابنه الأسود بن المنذر ثم أخوه المنذر بن المنذر ثم النعمان بن الأسود بن المنذر ثم أبو يعفر بن علقمة بن مالك بن عدي بن الذميل بن ثور بن أسنش بن زبى بن نمارة بن لخم‏.‏ ثم ملك من بعده امرؤ القيس بن النعمان الأكبر ثم ابنه امرؤ القيس‏.‏ ثم كان أمر الحرث بن عدي الكندي حتى تصالحا وتزوج المنذر بنته هنداً فولدت له عمراً‏.‏ ثم ملك بعد المنذر عمرو بن هند ثم قابوس بن المنذر أخوه ثم المنذر بن المنذر أخو الآخر ثم ابنه النعمان بن المنذر‏.‏ وهكذا نسبه الجرجاني وهو موافق لترتيب الطبري إلا في الحرث بن عمرو الكندي فإن الطبري جعله بعد النعمان الأكبر بن امرىء القيس وابنه المنذر والجرجاني جعله بعد المنذر بن امرىء لقيس بن النعمان‏.‏ وبين هذا المنذر والمنذر بن النعمان الأكبر خمسة من ملوكهم فيهم أبو يعفر بن الذميل فالله أعلم بالصحيح من ذلك‏.‏ وأما المسعودي فخالف ترتيبهم فقال‏:‏ بعد النعمان الأكبر بن امرىء القيس وسماه قائد الفرس ملك خمساً وستين سنة‏.‏ ثم ملك ابنه المنذرخمساً وعشرين سنة وهذا مثل ترتيب الطبري والجرجاني ثم خالفهما وقال‏:‏ وملك النعمان بن المنذر الحيرة وهو الذي بنى الخورنق خمساً وثلاثين سنة وملك الأسود بن النعمان عشرين سنة وملك ابنه المنذر أربعين سنة وأمه ماء السماء من النمير بن قاسط من ربيعة وبها عرف وملك ابنه عمرو بن المنذر أربعاً وعشرين سنة‏.‏ ثم ملك بعده أخوه النعمان وأمه مامة وقتله كسرى وهو آخرهم‏.‏ هكذا ساق المسعودي نسق ملوكهم ونسبهم وهو مخالف لما ذكره الطبري والجرجاني‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ كان للمنذر بن ماء السماء من الولد المملكين عمرو والنعمان وكان عمرو لهند بنت الحرث آكل المرار‏.‏ قال‏:‏ وكان عمرو هذا من أعاظم ملوك الحيرة ويعرف بمحرق لأنه حرق مدينة الملهم عند اليمامة‏.‏ وكان يملك من قبل كسرى أنوشران‏.‏ ومن بعده ملك أخوه النعمان بن المنذر وأمه مامة وقتله كسرى أبرويز بن هرمز بن أنوشروان لموجدة وجدها بسعاية زيد بن عدي بن زيد العبادي‏.‏ وساق قصة مقتله وولاية إياس بن قبيصة الطائي من بعده وما وقع بعد ذلك من حرب ذي قار وغلب العرب فيها على العجم إلى آخرها‏.‏ فالله أعلم بالصحيح في ترتيب ملوكهم‏.‏ وقال ابن سعيله‏:‏ أول حديثهم في الملك أن بني نمارة كانوا جنداً للعمالقة بأطراف الشام والجزيرة وكانوا مع الزباء‏.‏ ولما قتلت جذيمة عمرو بن عدي منهم بثأره وكان ابن أخته حتى أدركه وقتلها وبنى الحيرة على فرع من الفرات في أرض العراق‏.‏ وقال صاحب تواريخ الأمم‏:‏ ملك مائة وثمانية وعشرين سنة أيام ملوك الطوائف وبعده امرؤ القيس بن عمرو ولما مات ولى أردشير بن سابور على الحيرة أوس بن قلام من العمالقة ثم كان ملك الحيرة فوليها امرؤ القيس بن عمرو بن امرىء القيس المعروف بمحرق‏.‏ قال‏:‏ وهو المذكور في قصيدة الأسود بن يعفر التي على روي الدال‏.‏ وبعده ابنه النعمان بن شقيقة وهي من بني شيبان وجعل معه كسرى والياً للفرس وهو باني الخورنق والسدير على مياه وملك بعده ابنه المنذر وهو الذي سعى لبهرام جور في الملك حتى تم له‏.‏ وملك أربعاً وأربعين سنة وملك بعده ابنه الأسود ثم أخوه المنذر بن المنذر ثم النعمان بن الأسود‏.‏ وغضب عليه كسرى وولى مكانه الذميل بن لخم من غير بيت الملك‏.‏ ثم عاد الملك إليهم فولي امرؤ القيس بن النعمان الأكبر وهو ابن الشقيقة وهو الذي غزا بكر بن وائل‏.‏ وملك بعده ابنه المنذر بن ماء السماء وهي أمه أخت كليب سيد وائل‏.‏ وطالبه قباذ باتباع مزدك على الزندقة فأبى وولى مكانه الحرث بن عمرو بن حجر الكندي ثم رده أنوشروان إلى ملك الحيرة‏.‏ وقتله الحرث الأعرج الغساني يوم حليمة كما يأتي‏.‏ وملك بعده ابنه عمرو بن هند وهي مامة عمة امرىء القيس بن حجر المعروف بمضرط الحجازة لشدة بأسه‏.‏ وهو محرق الثاني‏.‏ حرق بني دارم من تميم لأنهم قتلوا أخاه وحلف ليحرقن منهم مائة فحرقهم وملك ستة عشر سنة أيام أنوشروان‏.‏ فتك به في رواق بين الحيرة والفرات عمرو بن كلثوم سيد تغلب ونهبوا حياءه‏.‏ وملك بعده أخوه قابوس بن هند وكان أعرج وقتله بعض بني يشكر فولى أنوشروان على الحيرة بعض مرازبة الفرس فلم تستقم له طاعة العرب‏.‏ فولى عليهم المنذر بن المنذر بن ماء السماء فخرج إلى جهة الشام طالباً ثأر أبيه من الحرث الأعرج الغساني فقتله الحرث أيضاً يوم وملك بعده ابنه النعمان بن المنذر وكان ذميماً أشقر أبرش وهو أشهر ملوك الحيرة وعليه كثرت وفود العرب وطلبه بثأر أبيه‏.‏ وحرد من بني جفنة حتى أسر خلقاً كثيراً من أشرافهم وحمله عدي بن زيد على أن تنصر وترك دين آبائه‏.‏ وحبس عدياً فشفع كسرى فيه بسعاية أخ له كان عنده فقتله النعمان في محبسه‏.‏ ثم نشأ ابنه زيد بن عدي وصار ترجماناً لكسرى فأغراه بالنعمان وحضر مع كسرى أبرويز في وقعة بين الفرس والروم وانهزمت الفرس ونجا النعمان على فرسه التخوم بعد أن طلبه منه كسرى ينجو عليه فأعرض عنه‏.‏ ونزل له إياس بن قبيصة الطائي عن فرسه فنجا عليه ووفد عليه النعمان بعد ذلك فقتله وولى على الحيرة إياس بن قبيصة فلم تستقم له طاعة العرب وغضبوا لقتل النعمان وكان لهم على الفرس يوم ذي قار سنة ثلاث من البعثة‏.‏ ومات إياس وصارت الفرس يولون على الحيرة منهم إلى أن ملكها المسلمون‏.‏ وذكر البيهقي أن دين بني نصر كان عبادة الأوثان وأول من تنصر منهم النعمان بن الشقيقة وقيل بل النعمان الأخير‏.‏ وملكت العرب بتلك الجهات ابنه المنذر فقتله جيش أبي بكر رضي الله عنه وفي تواريخ الأمم أن جميع ملوك الحيرة من بني نصر وغيرهم خمسة وعشرون ملكاً في نحو ستمائة سنة والله أعلم‏.‏ وهذا الترتيب مساو لترتيب الطبري والجرجاني والله وارث الأرض

  الخبر عن ملوك كندة من هذه الطبقة ومبدأ أمرهم وتصاريف أحوالهم

قال الطبري عن هشام بن محمد الكلبي‏:‏ كان يخدم ملوك حمير أبناء الأشراف من حمير وغيرهم‏.‏ وكان ممن يخدم حسن بن تبع عمرو بن حجر سيد كندة لوقته‏.‏ وأبوه حجر هو الذي تسميه العرب آكل المرار وهو حجر بن عمرو بن معاوية بن الحرث الأصغر ابن معاوية بن الحرث الأكبر ابن معاوية بن كندة وكان أخاه حسان بن تبع لأمه‏.‏ فلما دوخ حسان بلاد العرب وسار في الحجاز وهم بالانصراف ولى على معد بن عدنان كلها أخاه حجر بن عمرو هذا وهو آكل المرار‏.‏ فدانوا له وسار فيهم أحسن سيرة‏.‏ ثم هلك وملك من بعده ابنه عمرو المقصور‏.‏ قال الطبري عن هشام‏:‏ ولما سار حسان إلى جديس خلفه على بعض أمور ملكه في حمير فلما قتل حسان وولي بعده أخوه عمرو بن تبع وكان ذا رأي ونبل فأراد أن يكرم عمرو بن حجر بما نقصه من ابن أخيه حسان فزوجه بنت أخيه حسان بن تبع‏.‏ وتكلمت حمير في ذلك وكان عندهم من الأحداث التي ابتلوا بها أن لا يتزوج في ذلك البيت أحد من العرب سواهم‏.‏ فولدت بنت حسان لعمرو بن حجر الحرث بن عمرو‏.‏ وملك بعد عمرو بن تبع عبد بن متون أصغر أولاد حسان‏.‏ واستهوت الجن منهم تبع بن حسان فولوا عبد كلال مخافة أن يطمع في ملكهم أحد من بيت الملك‏.‏ فولي عبد كلال لسرو رحمه وكان على دين النصرانية الأولى وكان ذلك يسوء قومه‏.‏ ودعا إليه رجل من غسان قدم عليه من الشام‏.‏ ووثب حمير بالغساني فقتلوه‏.‏ ثم رجع تبع بن حسان من استهواء الجن وهوأعلم الناس بنجم وأعقل من يعلم في زمانه وأكثرهم حديثاً عما كان ويكون‏.‏ فملك على حمير وهابته حمير والغرب وبعث بابن أخته الحرث بن عمرو بن حجر الكندي في جيش عظيم إلى بلاد معد والحيرة وما والاها فسار إلى النعمان بن امرىء القيس بن الشقيقة فقاتله فقتل النعمان وعدة من أهل بيته وهزم أصحابه‏.‏ وأفلت المنذر بن النعمان الأكبر وأمه ماء السماء إمرآة من النمير بن قاسط وذهب ملك آل النعمان وملك الحرث بن عمرو وما كانوا يملكون‏.‏

وفي كتاب الأغاني قال‏:‏ لما ملك قباذ وكان ضعيف الملك توثبت العرب على المنذر الأكبر ابن ماء السماء وهو ذو القرنين بن النعمان بن الشقيقة فأخرجوه‏.‏ وإنما سمي ذا القرنين لذؤابتين كانتا له فخرج هارباً منهم حتى مات في إياد وترك ابنه المنذر الأصغر فيهم وكان أنكى ولده وجاءوا بالحرث بن عمرو بن حجر آكل المرار فملكوه على بكر وحشدوا له وقاتلوا معه وظهر على من قاتله من العرب‏.‏ وأبى قباذ أن يمد المنذر بجيش‏.‏ فلما رأى ذلك كتب إلى الحرث بن عمرو‏:‏ إني في غير قومي وأنت أحق من ضمني وأنا متحول إليك فحوله وزوجه ابنته هنداً‏.‏ وقال غير هشام بن محمد‏:‏ إن الحرث بن عمرو لما ولي على العرب بعد أبيه اشتدت وطأته وعظم بأسه ونازع ملوك الحيرة وعليهم يومئذ المنذر بن امرىء القيس وبين لهم إذ ولي كسرى قباذ بعد أبيه فيروز بن يزدجرد وكان زنديقاً على رأي ماني‏.‏ فدعا المنذر إلى رأيه فأبى عليه وأجابه الحرث بن عمرو فملكه على العرب وأنزله بالحيرة‏.‏ ثم هلك قباذ وولي ابنه أنوشروان فرد ملك الحيرة إلى المنذر وصالحه الحرث على أن له ما وراء نهر السوادة فاقتسما ملك العرب‏.‏ وفرق الحرث ولده في معد فملك حجراً على بني أسد وشرحبيل على بني سعد والرباب وسلمة على بكر وتغلب ومعد يكرب على قيس وكنانة‏.‏ ويقال بل كان سلمة على حنظلة وتغلب وشرحبيل على سعد والرباب وبكر‏.‏ وكان قيس بن الحرث سيارة أي قوم نزل بهم فهو ملكهم‏.‏ وفي كتاب الأغاني‏:‏ إنه ملك ابنه شرحبيل على بكر وائل وحنظلة على بني أسد وطوائف من بني عمرو بن تميم والرباب وغلفا وهو معد يكرب على قيس وسلمة بن الحرث على بني تغلب والنمر بن قاسط والنمر بن زيد مناة‏.‏ فأما شرحبيل فإنه فسد ما بينه وبين أخيه سلمة واقتتلوا بالكلاب ما بين البصرة والكوفة على سبع من اليمامة وعلى تغلب السفاح وهو سلمة بن خالد بن كعب بن زهير ابن تميم بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب‏.‏ وسبق إلى الكلاب سفيان بن مجاشع بن دارم من أصحاب سلمة في تغلب مع إخوته لأمه‏.‏ ثم ورد سلمة وأصحابه فاقتتلوا عامة يومهم وخذلت بنو حنظلة وعمرو بن تميم والرباب بكر بن وائل وانصرفت بنو سعد واتباعها عن تغلب وصبر بنو بكر وتغلب ليس معهم غيرهم إلى الليل‏.‏ ونادى منادي سلمة في ذلك اليوم من يقتل شرحبيل ولقاتله مائة من الإبل فقتل شرحبيل في ذلك اليوم قتله عصيم بن النعمان بن مالك بن غياث بن سعد بن زهير بن بكر بن حبيب التغلبي‏.‏ وبلغ الخبر إلى أخيه معد يكرب فاشتد جزعه وحزنه على أخيه وزاد ذلك حتى اعتراه منه وسواس هلك به‏.‏ وكان معتزلاً عن الحرث ومنع بنو سعد بن زيد مناة عيال شرحبيل وبعثوا بهم إلى قومهم فعل ذلك عوف بن شحنة بن الحرث بن عطارد بن عوف بن سعد بن كعب‏.‏ وأما سلمة فإنه فلج فمات‏.‏ وأما حجر بن الحرث فلم يزل أميراً على بني أسد إلى أن بعث رسله في بعض الأيام لطلب الأتاوة من بني أسد فمنعوها وضربوا الرسل‏.‏ وكان حجر بتهامة فبلغه الخبر فسار إليهم في ربيعة وقيس وكنانة فاستباحهم وقتل أشرافهم وسرواتهم وحبس عبيداً بن الأبرص في جمع منهم فاستعطفه بشعر بعث به إليه فسرحه وأصحابه وأوفدهم فلما بلغوا إليه هجموا عليه ببيته فقتلوه‏.‏ وتولى قتله علباء بن الحرث الكاهلي كان حجر قتل أباه‏.‏ وبلغ الخبر امرأ القيس فحلف أن لا يقرب لذة حتى يدرك بثأره من بني أسد‏.‏ وسار صريخاً إلى بني بكر وتغلب فنصروه وأقبل بهم فأجفل بنو أسد‏.‏ وسار إلى المنذر بن امرىء القيس ملك الحيرة وأوقع امرؤ القيس في كنانة فاثخن فيهم‏.‏ ثم سار في اتباع بني أسد إلى أن أعيا ولم يظفر منهم بشيء ورجعت عنه بكر وتغلب‏.‏ فثار إلى مؤثر الخير بن ذي جدن من ملوك حمير صريخاً بنصره بخمسمائة رجل من حمير بجمع من العرب سواهم‏.‏ وجمع المنذر لامرىء القيس ومن معه وأمده كسرى أنوشروان بجيش من الأساورة والتقوا فانهزم أمرؤ القيس وفرت حمير ومن كان معه ونجا بدمه‏.‏ وما زال يتنقل في القبائل والمنذر في طلبه‏.‏ وسار إلى قيصر صريخاً فأمده ثم سعى به الطماح عند قيصر أنه يشبب ببنته فبعث إليه بحلة مسمومة كان فيها هلاكه ودفن بأنقرة‏.‏ قال الجرجاني‏:‏ ولا يعلم لكندة بعد هؤلاء ملوك اجتمع لهم أمرها وأطيع فيها سوى أنهم قد كان لهم رياسة ونباهة وفيهم سؤدد حتى كانت العرب تسميهم كندة الملوك‏.‏ وكانت الرياسة يوم جبلة على العساكر لهم‏.‏ فكان حسان بن عمرو بن الجور على تميم ومعاوية بن شرحبيل بن حصن على بني عامر‏.‏ والجور هو معاوية بن حجر آكل المرار أخو الملك المقصور عمرو بن حجر‏.‏ والله وارث الأرض ومن عليها‏.‏ وفي كتاب الأغاني‏:‏ أن امرأ القيس لما سار إلى الشام نزل على السموأل بن عاديا بالأبلق بعد إيقاعه ببني كنانة على أنهم بنو أسد وتفرق عنه أصحابه كراهة لفعله واحتاج إلى الهرب فطلبه المنذر بن ماء السماء وبعث في طلبه جموعاً من إياد وبهرا وتنوخ وجيوشاً من الأساورة أمده بهم أنوشروان وخذلته حمير وتفرقوا عنه‏.‏ فالتجأ إلى السموأل ومعه أدراع خمسة مسماة كانت لبني آكل المرار يتوارثونها ومعه بنته هند وابن عمه يزيد بن الحرث بن معاوية بن الحرث ومال وسلاح كان بقي معه والربيع بن ضبع بن نزارة‏.‏ وأشار عليه الربيع بمدح السموأل فمدحه ونزل به فضرب لابنته قبة وأنزل القوم في مجلس له براح فمكثوا ما شاء الله‏.‏ وسأله امرؤ القيس أن يكتب له إلى الحرث بن أبي شمر يوصله إلى قيصر ففعل واستصحب رجلاً يدله على الفريق وأودع ابنته وماله وأدراعه السموأل وخلف ابن عمه يزيد بن الحرث مع ابنته هند ونزل الحرث بن ظالم غازياً على الأبلق‏.‏ ويقال الحرث بن أبي شمر ويقال ابن المنذر‏.‏ وبعث الحرث بن ظالم ابنه يتصيد ويهدده بقتله فأبى من إخفار ذمته وقتل ابنه فضرب به المثل في الوفاء بذلك‏.‏ وأما نسب السموأل فقال ابن خليفة عن محمد بن سالم البيكندي عن الطوسي عن ابن حبيب‏:‏ إنه السموأل بن عريض بن عاديا بن حيا ويقال إن الناس يدرجون عريضاً في النسب ونسبه عمرو بن شبة ولم يذكر عريضاً‏.‏ وقال عبد الله بن سعد عن دارم بن عقال‏:‏ من ولد السموأل بن عاديا بن رفاعة بن ثعلبة بن كعب بن عمرو بن عامر مزيقيا وهذا عند محال‏.‏ لأن الأعشى أدرك سريح بن السموأل وأدرك الإسلام وعمرو مزيقيا قديم لا يجوز أن يكون بينه وبين السموأل ثلاثة آباء ولا عشرة‏.‏ وقد قيل إن أمه من غسان وكلهم قالوا هو صاحب الحصن المعروف بالأبلق بتيما المشهور بالزباء وقيل من ولد الكوهن بن هارون‏.‏ وكان هذا الحصن لجده عاديا واحتفر فيه أروية عذبة وتنزل به العرب فتصيبها وتمتار من حصنه وتقيم هنالك سوقاً اه كلام الأغاني‏.‏ وقال ابن سعيد‏:‏ كندة لقب لثور بن عفير بن الحرث بن مرة بن أدد بن يشجب بن عبيد الله بن زيد بن كهلان وبلادهم في شرقي اليمن‏.‏ ومدينة ملكهم دمون‏.‏ وتوالى الملك منهم في بني معاوية بن عنزة‏.‏ وكان التبابعة يصاهرونهم ويولونهم على بني معد بن عدنان بالحجاز‏.‏ فأول من ولي منهم حجر آكل المرار بن عمرو بن معاوية الأكبر ولاه تبع بن كرب الذي كسا الكعبة‏.‏ وولى بعده ابنه عمرو بن حجر ثم ابنه الحرث المقصور وهو الذي أبى أن يتزندق مع قباذ ملك الفرس فقتل في بني كلب ونهب ماله وكان قد ولى أولاده على بني معد فقتل أكثرهم وكان على بني أسد منهم حجر بن الحرث فجار عليهم فقتلوه وتجرد للطلب بثأره ابنه امرؤ القيس‏.‏ وسار إلى قيصر فأغراه به الطماح الأسدي‏.‏ وقال‏:‏ إنه يتغزل ببنات الملوك فألبسه حلةً مسمومة تقطع بها‏.‏ وقال صاحب التواريخ‏:‏ إن الملك انتقل بعدهم إلى بني جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين واشتهر منهم قيس بن معد يكرب بن جبلة ومنهم الأعشى وابنته العمردة من مردة الإنس ولها في قتال المسلمين أخبار في الردة وأسلم أخوها الأشعث ثم ارتد بعد الوفاة واعتصم بالحبر ففتحه جيش أبي بكر رضي الله عنه وجيء به إليه أسيرأ فمن عليه وزوجه أخته وخرج من نسله بنو الأشعث المذكورون في الدولة الأموية‏.‏ ومن بطون كندة السكون والسكاسك‏.‏ وللسكاسك مجالات شرقي اليمن متميزة وهم معروفون بالسحر والكهانة ومنهم تجب بطن كبير كان منهم بالأندلس بنو صمادح وبنو ذي النون وبنو الأفطس من ملوك الطوائف‏.‏ والله تعالى وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين لا رب غيره‏.‏ ملوك غسان وكيف انساق الملك إليه ممن قبلهم أول ملك كان للعرب بالشام فيما علمناه للعمالقة ثم لبني إرم بن سام ويعرفون بالأرمانيين‏.‏ وقد ذكرنا خلاف الناس في العمالقة الذين كانوا بالشام هل هم من ولد عمليق بن لاوذ بن سام أو من ولد عماليق بن أليفاز بن عيصو‏.‏ وأن المشهور المتعارف أنهم من عمليق بن لاوذ‏.‏ كان بنو إرم يومئذ بادية في نواحي الشام والعراق وقد ذكروا في التوراة وكان لهم مع ملوك الطوائف حروب كما تقدمت الاشارة إلى ذلك كله من قبل‏.‏ وكان آخر هؤلاء العمالقة ملك السميدع بن هوثر وهو الذي قتله يوشع بن نون حين تغلب بنو إسرائيل على الشام وبقي في عقبه ملك في بني الظرب بن حسان من بني عاملة العماليق‏.‏ وكان آخرهم ملكا الزبا بنت عمرو بن السميدع‏.‏ وكانت قضاعة مجاورين لهم في ديارهم بالجزيرة وغلبوا العمالقة لما فشل ريحهم‏.‏ فلما هلكت الزبا وانقرض أمر بني الظرب بن حسان ملك أمر العرب تنوخ من بطون قضاعة‏.‏ وهم تنوخ بن مالك بن فهم بن تيم الله بن الأسود بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة‏.‏ وقد تقدم ذكر نزولهم بالحيرة والأنبار ومجاورتهم للارمانيين‏.‏ فملك من تنوخ ثلاثة ملوك فيما ذكر المسعودي‏:‏ النعمان بن عمرو ثم ابنه عمرو بن النعمان ثم أخوه الحوار بن عمرو‏.‏ وكانوا مملكين من قبل الروم‏.‏ ثم تلاشى أمر تنوخ واضمحل وغلبت سليح من بطون قضاعة ثم الضجاعم منهم من ولد ضجعم بن سعد بن سليح واسمه عمرو بن حلوان بن عمران بن الحاف فتنصروا وملكتهم الروم على العرب وأقاموا على ذلك مدة‏.‏ وكان نزولهم ببلاد مؤاب من أرض البلقاء‏.‏ ويقال‏:‏ إن الذي ولى سليخ على نواحي الشام هو قيصر طيطش ابن قيصر ماهان‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ كان لبني سليح دولتان في بني ضجعم وبني العبيد فأما بنو ضجعم فملكوا إلى أن جاءهم غسان فسلبوهم ملكهم وكان آخرهم زياد بن الهبولة سار بمن أبقى السيف منهم إلى الحجاز فقتله والي الحجاز للتبابعة حجر آكل المرار‏.‏ قال ومن النسابين من يطلق تنوخ على بني ضجعم ودوس الذين تنخوا بالبحرين أي أقاموا ثم سار الضجاعم إلى برية الشام ودوس إلى برية العراق‏.‏ قال وأما بنو العبيد بن الأبرص بن عمرو بن أشجع بن سليح فتوارثوا الملك بالحضر الذي آثاره باقية في برية سنجار‏.‏ والمشهور منهم الضيزن بن معاوية بن العبيد المعروف عند الجرامقة بالساطرون وقصته مع سابور معروفة اه‏.‏ كلام ابن سعيد‏.‏ ثم استحالت صبغة الرياسة عن العرب لحمير وصارت إلى كهلان إلى بلاد الحجاز‏.‏ ولما فصلت الأزد من اليمن كان نزولهم ببلاد عك ما بين زبيد وزمع فحاربوهم وقتلوا ملك عك‏.‏ قتله ثعلبة بن عمرو مزيقيا‏.‏ قال بعض أهل اليمن‏:‏ عك بن عدنان بن عبد الله بن أدد قال الدارقطني‏:‏ عك بن عبد الله بن عدثان بالثاء المثلثة وضم العين ولا خلاف أنه بنونين كما لم يختلف في دوس بن عدثان قبيلة من الأزد أنه بالثاء المثلثة‏.‏ ثم نزلوا بالظهران وقاتلوا جرهم بمكة ثم افترقوا في البلاد‏.‏ فنزل بنو نصر بن الأزد الشراة وعمان ونزل بنو ثعلبة بن عمرو مزيقيا بيثرب وأقام بنو حارثة بن عمرو بمر الظهران بمكة وهم يقال لهم خزاعة‏.‏ وقال المسعودي‏:‏ سار عمرو مزيقيا حتى إذا كان بالشراة بمكة أقام هنالك بنو نصر بن الأزد وعمران الكاهن وعدي بن حارثة بن عمرو بالأزد حتى نزلوا بين بلاد الأشعريين وعك على ماء يقال له غسان بين واديين يقال لهما زبيد وزمع فشربوا من ذلك الماء فسموا غسان‏.‏ وكانت بينهم وبين معد حروب إلى أن ظفرت بهم معد فأخرجوهم إلى الشراة وهو جبل الأزد الذين هم به وهم على تخوم الشام ما بينه وبين الجبال مما يلي أعمال دمشق والأردن‏.‏ قال ابن الكلبي‏:‏ ولد عمرو بن عامر مزيقيا جفنة ومنه الملوك والحرث وهو محرق أول من عاقب بالنار وثعلبة وهو العنقا وحارثة وأبا حارثة ومالكاً وكعبأ ووداعة وهو في همدان‏.‏ وعوفا وذهل وائل ودفع ذهل إلى نجران ومنه أسقف وعبيدة وذهلاً وقيساً‏.‏ درج هؤلاء الثلاثة وعمران بن عمرو فلم يشرب أبو حارثة ولا عمران ولا وائل ماء غسان فليس يقال لهم غسان‏.‏ وبقي من أولاد مزيقيا ستة شربوا منه فهم غسان وهم‏:‏ جفنة وحارثة وثعلبة ومالك وكعب وعوف‏.‏ ويقال‏:‏ إن ثعلبة وعوفاً لم يشربا منه‏.‏ ولما نزلت غسان الشام جاوروا الضجاعم وقومهم من سليح ورئيس غسان يومئذ ثعلبة بن عمرو بن المجالد بن الحرث بن عمرو بن عدي بن عمرو بن مازن بن الأزد‏.‏ ورئيس الضجاعم يومئذ داود اللثق بن هبولة بن عمرو بن عوف بن ضجعم‏.‏ وكانت الضجاعة هؤلاء ملوكاً على العرب عمالاً للروم كما قلناه يجمعون ممن نزل بساحتهم لقيصر‏.‏ فغلبتهم غسان على ما بأيديهم من رياسة العرب لما كانت صبغة رياستهم الحميرية قد استحالت وعادت إلى كهلان وبطونها وعرفت الرياسة منها باليمن قبل فصولهم‏.‏ وربما كانوا أولى عدة وقوة وإنما العزة للكاثر‏.‏ وكانت غسان لأول نزولها بالشام طالبها ملوك الضجاعة بالأتاوة فمانعتهم غسان فاقتتلوا فكانت الدائرة على غسان وأقرت بالصغار وأدت الأتاوة حتى نشأ جذع بن عمرو بن المجالد بن الحرث بن عمرو بن المجالد بن الحرث بن عمرو بن عدي بن عمرو بن مازن بن الأزد‏.‏ ورجال سليح من ولد رئيسهم داود اللثق وهو سبطة بن المنذر بن داود ويقال بل قتلة‏.‏ فالتقوا فغلبهم غسان وأقاد بهم وتفردوا بملك الشام وذلك عند فساد كان بين الروم وفارس فخاف ملك الروم أن يعينوا عليه فارساً‏.‏ فكتب إليهم واستدناهم‏.‏ ورئيسهم يومئذ ثعلبة بن عمرو أخو جذع بن عمرو وكتبوا بينهم الكتاب على أنه إن دهمهم أمر من العرب أمدهم بأربعين ألفاً من الروم وإن دهمه أمر أمدته غسان بعشرين ألفاً‏.‏ وثبت ملكهم على ذلك وتوارثوه‏.‏ أول من ملك منهم ثعلبة بن عمرو فلم يزل ملكها إلى أن هلك وولي مكانه منهم ثعلبة بن عمرو مزيقيا‏.‏ قال الجرجاني‏:‏ وبعد ثعلبة بن عمرو ابنه الحرث بن ثعلبة يقال أنه ابن مارية‏.‏ ثم بعده ابنه المنذر بن الحرث ثم ابنه النعمان بن المنذر بن الحرث ثم أبو بشر بن الحرث بن جبلة بن الحرث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة‏.‏ هكذا نسبه بعض النساب والصحيح أنه ابن عوف بن الحرث بن عوف بن عمرو بن عدي بن عمرو بن مازن ثم الحرث الأعرج بن أبي شمر ثم عمرو بن الحرث الأعرج ثم المنذر بن الحرث الأعرج ثم الأيهم بن جبلة بن الحرث بن جبلة بن الحرث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة ثم ابنه جبلة‏.‏ وقال المسعودي‏:‏ أول من ملك منهم الحرث بن عمرو مزيقيا ثم بعده الحرث بن ثعلبة بن جفنة وهو ابن مارية ذات القرطين وبعده النعمان بن الحرث بن جفنة بن الحرث ثم أبو شمر بن الحارث بن ثعلبة بن جفنة بن الحارث‏.‏ ثم ملك بعده أخوه المنذر بن الحارث ثم أخوه جبلة بن الحارث ثم بعده عوف بن أبي شمر ثم بعده الحارث بن أبي شمر‏.‏ وعلى عهده كانت البعثة وكتب له النبي صلى الله عليه وسلم فيمن كتب إليه من ملوك تهامة والحجاز واليمن‏.‏ وبعث إليه شجاع بن وهب الأسدي يدعوه إلى الإسلام ويرغبه في الدين كذا عند ابن إسحق‏.‏ وكان النعمان بن المنذر على عهد الحارث بن أبي شمر هذا وكانا يتنازعان في الرياسة ومذاهب المدح وكانت شعراء العرب تفد عليهما مثل الأعشى وحسان بن ثابت وغيرهما‏.‏ ومن شعر حسان رضي الله تعالى عنه في مدح أبناء جفنة‏:‏ لله در عصابة نادمتهم يوماً بجلق في الزمان الأول أولاد جفنة حول قبر أبيهم قبر ابن مارية الكريم المفضل يغشون حتى ما تهر كلابهم لا يسألون عن السواد المقبل ثم ملك بعد الحارث بن أبي شمر ابنه النعمان ثم ملك بعده جبلة بن الأيهم بن جبلة‏.‏ وجبلة جده هو الذي ملك بعد أخويه شمر والمنذر‏.‏ وقال ابن سعيد‏:‏ أول من ملك من غسان بالشام وأذهب ملك الضجاعم جفنة بن مزيقيا‏.‏ ونقل عن صاحب تواريخ الأمم‏:‏ لما ملك جفنة بنى جلق وهي دمشق وملك خمساً وأربعين سنة‏.‏ واتصل الملك في بنيه إلى أن كان منهم الحارث الأعرج ابن أبي شمر وأمه مارية ذات القرطين من بني جفنة بنت الهانىء المذكورة في شعر حسان بأرض البلقاء ومعان‏.‏ قال ابن قتيبة‏:‏ وهو الذي سار إليه المنذر بن ماء السماء من ملوك الحيرة في مائة ألف فبعث إليه الحارث مائة من قبائل العرب فيهم لبيد الشاعر وهو غلام‏.‏ فأظهروا أنهم رسل في الصلح حتى إذا أحاطوا برواق المنذر فتكوا به وقتلوا جميع من كان معه في الرواق وركبوا خيولهم‏.‏ فمنهم من نجا ومنهم من قتل‏.‏ وحملت غسان على عسكر المنذر وقد اختبطوا فهزموهم‏.‏ وكانت حليمة بنت الحارث تحرض الناس وهم منهزمون على القتال فسمي يوم حليمة‏.‏ ويقال إن النجوم ظهرت فيه بالنهار من كرة العجاج‏.‏ ثم توالى الملك في ولد الحارث الأعرج إلى أن ملك منهم جفنة بن المنذر بن الحارث الأعرج وهو محرق لأنه حرق الحيرة دار ملك آل النعمان وكان جوالاً في الآفاق وملك ثلاثين سنة‏.‏ ثم كان ثالثه في الملك النعمان بن عمرو بن المنذر الذي بنى قصر السويدا وقصر حارث عند صيدا وهو مذكور في شعر النابغة‏.‏ ولم يكن أبوه ملكا وإنما كان يغزو بالجيش‏.‏ ثم ملك جبلة بن النعمان وكان منزله بصفين وهو صاحب عين أباغ يوم كانت له الهزيمة فيه على المنذر ابن المنذر ابن ماء السماء وقتل المنذر في ذلك اليوم‏.‏ ثم اتصل الملك في تسعة منهم بعده وكان العاشر أبو كرب النعمان بن الحارث الذي رثاه النابغة‏.‏ وكان منزله بالجولان من جهة دمشق‏.‏ ثم ملك الأيهم بن جبلة‏.‏ بن الحارث وكان له رأي في الإفساد بين القبائل حتى أفنى بعضهم بعضاً‏.‏ فعل ذلك ببني جسر وعاملة وغيرهم‏.‏ وكان منزله بتدمر‏.‏ وملك بعده منهم خمسة فكان السادس منهم ابنه جبلة بن الأيهم وهو آخر ملوكهم اه‏.‏ كلام ابن سعيد‏.‏ واستفحل ملك جبلة هذا وجاء الله بالإسلام وهو على ملكه‏.‏ ولما افتتح المسلمون الشام أسلم جبلة وهاجر إلى المدينة‏.‏ واستشرف أهل المدينة لمقدمه حتى تطاول النساء من خدورهن لرؤيته لكرم وفادته‏.‏ وأحسن عمر رضي الله نزوله وأكرم وفادته وأجله بأرفع رتب المهاجرين‏.‏ ثم غلب عليه الشقاء ولطم رجلاً من المسلمين من فزارة وطيء فضل أزاره وهو يسحبه في الأرض ونابذه إلى عمر رضي الله عنه في القصاص فأخذته العزة بالإثم فقال له عمر رضي الله عنه لا بد أن أقيده منك‏.‏ فقال له‏:‏ إذن أرجع عن دينكم هذا الذي يقاد فيه للسوقة من الملوك‏.‏ فقال له عمر رضي الله عنه إذن أضرب عنقك‏!‏ فقال أمهلني الليلة حتى أرى رأيي‏!‏ واحتمل رواحله وأسرى‏.‏ فتجاوز الدروب إلى قيصر ولم يزل بالقسطنطينية حتى مات سنة عشرين من الهجرة‏.‏ وفيما تذكره الثقات أنه ندم ولم يزل باكياً على فعلته تلك‏.‏ وكان فيما يقال يبعث بالجوائز إلى حسان بن ثابت لما كان منه في مدح قومه ومدحه في الجاهلية‏.‏ وعند ابن هشام‏:‏ أن شجاع بن وهب إنما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبلة‏.‏ قال المسعودي‏:‏ جميع ملوك غسان بالشام أحد عشر ملكاً‏.‏ وقال أن النعمان والمنذر أخوة جبلة وأبي شمر وكلهم بنو الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة ملكوا كلهم‏.‏ قال‏:‏ وقد ملك الروم على الشام من غير آل جفنة مثل الحارث الأعرج وهو أبو شمر بن عمرو بن الحارث بن عوف وعوف هذا جد ثعلبة بن عامر قاتل داود اللثق‏.‏ وملكوا عليهم أيضا أبا جبيلة بن عبد الله بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج بن ثعلبة بن مزيقيا وهو أبو جبيلة الذي استصرخه مالك بن العجلان على يهود يثرب حسبما نذكر بعد‏.‏ وقال ابن سعيد‏:‏ عن صاحب تواريخ الأمم‏:‏ إن جميع ملوك بني جفنة اثنان وثلاثون ومدتهم ستمائة سنة ولم يبق لغسان بالشام قائمة‏.‏ وورث أرضهم بها قبيلة طيء‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ وأمراؤهم بنو مرا‏.‏ وأما الآن فأمراؤهم بنو مهنا وهما معاً لربيعة بن علي بن مفرج بن بدر بن سالم بن علي بن سالم بن قصة بن بدر بن سميع‏.‏ وقامت غسان بعد منصرفها من الشام بأرض القسطنطينية حتى انقرض ملك القياصرة فتجهزوا إلى جبل شركس وهو ما بين بحر طبرستان وبحر نيطش الذي يمده خليج القسطنطينية‏.‏ وفي هذا الجبل باب الأبواب وفيه من شعوب الترك المتنصرة الشركس واركس واللاص وكسا ومعهم اخلاط من الفرس ويونان‏.‏ والشركس غالبون على جميعهم‏.‏ فانحازت قبائل غسان إلى هذا الجبل عند انقراض القياصرة والروم وتحالفوا معهم واختلطوا بهم ودخلت أنساب بعضهم في بعض حتى ليزعم كثير من الشركس أنهم من نسب غسان‏.‏ ولله حكمة بالغة في خلقه‏.‏ والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين لا انقضاء لملكه ولا رب غيره‏.‏

  الخبر عن الأوس والخزرج أبناء قبيلة من هذه الطبقة ملوك يثرب دار الهجرة

وذكر أوليتهم والإلمام بشأن نصرتهم وكيف انقرض أمرهم قد ذكرنا فيما تقدم شأن يثرب وأنها من بناء يثرب بن فانية بن مهلهل بن إرم بن عبيل بن عوض وعبيل أخو عاد‏.‏ وفيما ذكر السهيلي أن يثرب ابن قائد بن عبيد بن مهلاييل بن عوص بن عمليق بن لاوذ بن إرم وهذا أصح وأوجه‏.‏ وقد ذكرنا كيف صار أمر هؤلاء لإخوانهم جاسم من الأمم العمالقة وأن ملكهم كان يسمى الأرقم وكيف تغلب بنو إسرائيل عليه وقتلوه وملكوا الحجاز دونه كله من أيدي العمالقة‏.‏ ويظهر من ذلك أن الحجاز لعهدهم كان آهلاً بالعمران وجميع مياهه‏.‏ يشهد بذلك أن داود على السلام لما خلع بنو إسرائيل طاعته وخرجوا عليه بابنه أشبوشت فر مع سبط يهوذا إلى خيبر وملك ابنه الشام وأقام هو وسبط يهوذا بخيبر سبع سنين في ملكه حتى قتل ابنه وعاد إلى الشام‏.‏ فيظهر من هذا أن عمرانه كان متصلاً بيثرب ويجاوزها إلى خيبر‏.‏ وقد ذكرنا هنالك كيف أقام من بني إسرائيل من أقام بالحجاز وكيف تبعتهم يهود خيبر وبنو قريظة‏.‏ قال المسعودي‏:‏ وكانت الحجاز إذ ذاك أشجر بلاد الله وأكثرها ماءً فنزلوا بلاد يثرب واتخذوا بها الأموال وبنوا الآطام والمنازل في كل موطن وملكوا أمر أنفسهم وانضافت إليهم قبائل من العرب نزلوا معهم واتخذوا الأطم والبيوت وأمرهم راجع إلى ملوك المقدس من عقب سليمان عليه السلام‏.‏ قال شاعر بني نعيف‏:‏ ولو نطقت يوماً قباء لخبرت بأنا نزلنا قبل عاد وتبع وآطامنا عادية مشمخرة تلوح فتنعى من يعادي ويمنع فلما خرج مزيقيا من اليمن وملك غسان بالشام ثم هلك وملك ابنه ثعلب العنقاء ثم هلك ثعلبة العنقاء‏.‏ وولي أمرهم بعد ثعلبة عمرو ابن أخيه جفنة سخط مكانه ابنه حارثة فأجمع الرحلة إلى يثرب وأقام بنو جفنة بن عمرو ومن انضاف إليهم بالشام‏.‏ ونزل حارثة يثرب على يهود خيبر وسألهم الحلف والجوار على الأمان والمنعة فأعطوه من ذلك ما سأل‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ وملك اليمن يومئذ شريب بن كعب فكانوا باديةً لهم إلى أن انعكس الأمر بالكثرة والغلبة‏.‏ وفي كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني قال‏:‏ بنو قريظة وبنو النضير الكاهنان من ولد الكوهن بن هارون عليه السلام كانوا بنواحي يثرب بعد موسى عليه السلام وقبل تفرق الأزد من اليمن بسيل العرم ونزول الأوس والخزرج يثرب وذلك بعد الفجار ونقل ذلك عن علي بن سليمان الأخفش‏.‏ يسنده إلى العماري قال‏:‏ ساكنو المدينة العماليق وكانوا أهل عدوان وبغي وتفرقوا في البلاد‏.‏ وكان بالمدينة منهم بنو نعيف وبنو سعد وبنو الأزرق وبنو نظرون‏.‏ وملك الحجاز منهم الأرقم ما بين تيما إلى فدك وكان ملوك المدينة ولهم بها نخل وزرع‏.‏ وكان موسى عليه السلام قد بعث الجنود إلى الجبابرة يغزونهم وبعث إلى العماليقة جيشاً من بني إسرائيل وأمرهم أن لا يستبقوا أحداً فأبقوا ابناً للأرقم ضنوا به على القتل‏.‏ فلما رجعوا بعد وفاة موسى عليه السلام وأخبروا بني إسرائيل بشأنه فقالوا هذه معصية لا تدخلوا علينا الشام فرجعوا إلى بلاد العمالقة ونزلوا المدينة وكان هذا أولية سكنى اليهود بيثرب‏.‏ وانتشروا في نواحيها واتخذوا بها الآطام والأموال والمزارع ولبثوا زمانا‏.‏ وظهر الروم على بني إسرائيل بالشام وقتلوهم وسبوا‏.‏ فخرج بنو النضير وبنو قريظة وبنو يهدل هاربين إلى الحجاز وتبعهم الروم فهلكوا عطشاً في المفازة بين الشام والحجاز‏.‏ وسمي الموضع ثمر الروم‏.‏ ولما قدم هؤلاء الثلاثة المدينة نزلوا العالية فوجدوها وابيةً وارتادوا‏.‏ ونزل بنو النضير مما يلي البهجان وبنو قريظة وبنو يهدل على نهر وز‏.‏ وكان ممن سكن المدينة من اليهود حين نزلها الأوس والخزرج بنو الشقمة وبنو ثعلبة وبنو زرعة وبنو قينقاع وبنو يزيد وبنو النضير وبنو قريظة وبنو يهدل وبنو عوف وبنو عصص‏.‏ وكان بنو يزيد من بلي وبنو نعيف من بلي وبنو الشقمة من غسان‏.‏ وكان يقال لبني قريظة وبني النضير الكاهنان كما مر‏.‏ فلما كان سيل العرم وخرجت الأزد نزلت أزد شنوءة الشام بالسراة وخزاعة بطوى‏.‏ ونزلت غسان بصرى وأرض الشام ونزلت أزد عمان الطائف ونزلت الأوس والخزرج يثرب‏.‏ نزلوا في ضرار‏.‏ بعضهم بالضاحية وبعضهم بالقرى مع أهلها ولم يكونوا أهل نعم وشاء لأن المدينة كانت ليست بلاد مرعى ولا نخل لهم ولا زرع إلا الأعذاق اليسيرة والمزرعة يستخرجها من الموات والأموال لليهود فلبثوا حيناً‏.‏ ثم وفد مالك بن عجلان إلى أبي جبيلة الغساني وهو يومئذ ملك غسان فسأله فأخبره عن ضيق معاشهم فقال‏:‏ ما بالكم لم تغلبوهم حين غلبنا أهل بلدنا‏.‏ ووعده أنه يسير إليهم فينصرهم‏.‏ فرجع مالك وأخبرهم أن الملك آبا جبيلة يزورهم فأعدوا له نزلاً فأقبل ونزل بذي حرض وبعث إلى الأوس والخزرج بقدومه وخشي أن يتحصن منه اليهود في الآطام فاتخذ حائراً وبعث إليهم فجاءوه في خواصهم وحشمهم وأذن لهم في دخول الحائر وأمر جنوده فقتلوهم رجلاً رجلاً إلى أن أتوا عليهم‏.‏ وقال الأوس والخزرج إن لم تغلبوا على البلاد بعد قتل هؤلاء فلأحرقنكم ورجع إلى الشام فأقاموا في عداوة مع اليهود‏.‏

ثم أجمع مالك بن العجلان وصنع لهم طعاماً ودعاهم فامتنعوا لغدرة أبي جبيلة فاعتذر لهم مالك عنها وأنه لا يقصد نحو ذلك فأجابوه وجاءوا إليه فغدرهم وقتل منهم سبعة وثمانين من رؤسائهم‏.‏ وفطن الباقون فرجعوا وصورت اليهود بالحجاز مالك بن العجلان في كنائسهم وبيعهم وكانوا يلعنونه كلما دخلوا‏.‏ ولما قتلهم مالك ذلوا وخافوا وتركوا مشي بعضهم إلى بعض في الفتنة كما كانوا يفعلون من قبل‏.‏ وكان كل قوم من اليهود قد لجأوا إلى بطن من الأوس والخزرج يستنصرون بهم ويكونون لهم أحلافاً اه كلام الأغاني‏.‏ وكان لحارثة بن ثعلبة ولدان أحدهما أوس والآخر خزرج وأمهما قيلة بنت الأرقم بن عمرو بن جفنة وقيل بنت كاهن بن عذرة من قضاعة‏.‏ فأقاموا كذلك زماز حتى أثروا وامتنعوا في جانبهم وكثر نسلهم وشعوبهم‏.‏ فكان بنو الأوس كلهم لمالك بن الأوس منهم خطمة بن جشم بن مالك‏.‏ وثعلبة ولوذان وعوف كلهم بنو عمرو بن عوف بن مالك‏.‏ ومن بني عوف بن عمرو حنش ومالك وكلفة كلهم بنو عوف ومن مالك بن عوف معاوية وزيد‏.‏ فمن زيد عبيد وضبيعة وأمية‏.‏ ومن كلفة بن عوف جحجباً بن كلفة‏.‏ ومن مالك بن الأوس أيضا الحارث وكعب ابنا الخزرج بن عمرو بن مالك‏.‏ فمن كعب بنو ظفر ومن الحارث بن الخزرج حارثة وجشم‏.‏ ومن جشم بنو عبد الأشهل‏.‏ ومن مالك بن الأوس أيضا بنو سعد وبنو عامر ابنا مرة بن مالك فبنو سعد الجعادرة‏.‏ ومن بني عامر عطية وأمية ووائل كلهم بنو زيد بن قيس بن عامر‏.‏ ومن مالك وأما الخزرج فخمسة بطون من كعب وعمرو وعوف وجشم والحارث‏.‏ فمز كعب بن الخزر بنو ساعدة بن كعب ومن عمرو بن الخزرج بنو النجار وهم تيم الله بن ثعلبة بن عمرو وهم شعوب كثيرة‏:‏ بنو مالك وبنو عدي وبنو مازن وبنو دينار كلهم بنو النجار‏.‏ ومن مالك بن النجار مبدول واسمه عامر وغانم وعمرو‏.‏ ومن عمرو عدي ومعاوية ومن عوف بن الخزرج بنو سالم والقواقل وهما عوف بن عمرو بن عوف والقواقل ثعلبة ومرضخة بنو قوقل بن عوف‏.‏ ومن سالم بن عوف بنو العجلان بن زيد بن عصم بن سالم وبنو سالم بن عوف‏.‏ ومن جشم بن الخزرج بنو غضب بن جشم وتزيد بن جشم‏.‏ فمن غضب بن جشم بنو بياضة وبنو زريق ابنا عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب‏.‏ ومن تزيد بن جشم بنو سلمة بن سعد بن علي بن راشد بن ساردة بن تزيد‏.‏ ومن الحارث بن الخزرج بنو خدرة وبنو حرام ابنا عوف بن الحارث بن الخزرج‏.‏ فهذه بطون الخزرج فلما انتشر بيثرب هذان الحيان من الأوس والخزرج وكثروا يهود خافوهم على أنفسهم فنقضوا الحلف الذي عقدوه لهم وكانت العزة يومئذ بيثرب لليهود‏.‏ قال قيس بن الحطيم‏:‏ كنا إذا رابنا قوم بمظلمة شدت لنا الكاهنان الخيل واعتزموا بنوا الرهون وواسونا بأنفسهم بنوا الصريخ فقد عفوا وقد كرموا ثم نتج فيهم بعد حين مالك بن العجلان وقد ذكر نسب العجلان‏.‏ فعظم شأن مالك وسوده الحيان‏.‏ فلما نقض يهود الحلف واقعهم وأصاب منهم ولحق بأبي جبيلة ملك غسان بالشام وقيل بعث إليه الرنق بن زيد بن امرىء القيس فقدم عليه فأنشده‏:‏ أقسمت أطعم من رزق قطرةً حتى تكثر للنجاة رحيل حتى ألاقي معشرأ أنى لهم خل ومالهم لنا مبذول أرض لنا تدعى قبائل سالم ويجيب فيها مالك وسلول قوم أولو عز وعزة غيرهم إن الغريب ولو يعز ذليل فأعجبه وخرج في نصرتهم‏.‏ وأبو جبيلة هو ابن عبد الله بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج‏.‏ كان حبيب بن عبد حارثة وأخوه غانم ابنا الجشمي ساروا مع غسان إلى الشام وفارقوا الخزرج‏.‏ ولما خرج أبو جبيلة إلى يثرب لنصرة الأوس والخزرج لقيه أبناء قيلة وأخبروه أن يهود علموا بقصده فتحصنوا في آطامهم فوري عن قصده باليمن وخرجوا إليه‏.‏ فدعاهم إلى صنيع أعده لرؤسائهم ثم استلحمهم‏.‏ فعزت الأوس والخزرج من يومئذ وتفرقوا في عالية يثرب وسافلتها يتبوأون منها حيث شاءوا وملكت أمرها على يهود فذلت اليهود وقل عددهم وعلت قدم أبناء قيلة عليهم‏.‏ فلم يكن لهم امتناع إلا بحصونهم وتفرقهم أحزاباً على وفي كتاب ابن إسحق‏:‏ إن تبعاً أبا كرب غزا المشرق فمر بالمدينة وخلف بين أظهرهم ابناً له فقتل غيلة‏.‏ فلما رجع أجمع على تخريبها واستئصال أهلها فجمع هذا الحي من الأنصار رئيسهم عمرو بن ظلة وظلة أمه وأبوه معاوية بن عمرو‏.‏ قال ابن إسحق‏:‏ وقد كان رجل من بني عدي بن النجار يقال له أحمر نزل بهم تبع‏.‏ وقال إنما التمر لمن أبره فزاد ذلك تبعاً حنقاً عليهم فاقتتلوا‏.‏ وقال ابن قتيبة في هذه الحكاية إن الذي عدا على التبعي هو مالك بن العجلان‏.‏ وأنكره السهيلي وفرق بين القصتين بأن عمرو بن ظلة كان لعهد تبع ومالك بن العجلان لعهد أبي جبيلة واستبعد ما بين الزمانين‏.‏ ولم يزل هذان الحيان قد غلبوا اليهود على يثرب‏.‏ وكان الاعتزاز والمنعة تعرف لهم في ذلك‏.‏ ويدخل في حلفهم من جاورهم من قبائل مضر وكانت بينهم في الحيين فتن وحروب ويستصرخ كل بمن دخل في حلفه من العرب واليهود‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ ورحل عمرو بن الإطنابة من الخزرج إلى النعمان بن المنذر ملك الحيرة فملكه على الحيرة واتصلت الرياسة في الخزرج والحرب بينهم وبين الأوس ومن أشهر الوقائع التي كانت بينهم يوم بعاث قبل المبعث‏.‏ كان على الخزرج فيه عمرو بن النعمان بن صلاة بن عمرو بن أمية بن عامر بن بياضة‏.‏ وكان على الأوس يومئذ حضير الكتائب ابن سماك بن عتيك بن امرىء القيس بن زيد بن عبد الأشهل‏.‏ وكان حلفاء الخزرج يومئذ أشج من غطفان وجهينة من قضاعة‏.‏ وخلفاء الأوس مزينة من أحياء طلحة بن إياس وقريظة والنضير من يهود وكان الغلب صدر النهار للخزرج‏.‏ ثم نزل حضير وحلف لا أركب أو أقتل‏.‏ فتراجعت الأوس وحلفاؤها وانهزم الخزرج‏.‏ وقتل عمرو بن النعمان رئيسهم‏.‏ وكان آخر الأيام بينهم وصبحهم الإسلام وقد سئموا الحرب وكرهوا الفتنة فأجمعوا على أن يتوجوا عبد الله بن أبي بن سلول‏.‏ ثم اجتمع أهل العقبة منهم بالنبي صلى الله عليه وسلم بمكة ودعاهم إلى نصرة الإسلام فجاءوا إلى قومهم بالخبر كما نذكر وأجابوا واجتمعوا على نصرته‏.‏ ورئيس الخزرج سعد بن عبادة والأوس بن معاذ‏.‏ قالت عائشة‏:‏ كان يوم بعاث يوماً قدمه الله لرسوله ولما بلغهم خبر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وما جاء به من الدين وكيف أعرض قومه عنه وكذبوه وآذوه وكان بينهم وبين قريش إخاء قديم وصهر فبعث أبو قيس بن الأسلت من بني مرة بن مالك بن الأوس ثم من بني وائل منهم واسمه صيفي بن عامر بن شحم بن وائل وكان يحبهم لمكان صهره فيهم‏.‏ فكتب إليهم قصيدة يعظم لهم فيها الحرمة ويذكر فضلهم وحلمهم وينهاهم عن الحرب ويأمرهم بالكف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذكرهم بما رفع الله عنهم من أمر الفيل وأولها‏:‏ تناهز خمساً وثلاثين بيتاً ذكرها ابن إسحق في كتاب السير فكان ذلك أول ما ألقح بينهم من الخير والإيمان‏.‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يئس من إسلام قومه يعرض نفسه على وفود العرب وحجاجهم أيام الموسم أن يقوموا بدين الإسلام وبنصره حتى يبلغ ما جاء به من عند الله وقريش يصدونهم عنه ويرمونه بالجنون والشعر والسحر كما نطق به القرآن‏.‏ وبينما هو في بعض المواسم عند العقبة لقي رهطاً من الخزرج ست نفر اثنان من بني غانم بن مالك وهما أسعد بن زرارة بن عدي بن عبيد الله بن ثعلبة بن غانم وعوف بن الحرث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غانم وهو ابن عفراء‏.‏ ومن بني زريق بن سواد بن مالك بن غانم وهو ابن عفراء‏.‏ ومن بني زريق بن عامر رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق‏.‏ ومن بني غانم بن كعب بن سلمة بن سعد بن عبد الله بن عمرو بن الحرث بن ثعلبة بن الحرث بن حرام بن كعب بن غانم كعب بن رئاب بن غانم وقطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن غانم بن سواد بن غانم وعقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن حرام بن كعب بن غانم‏.‏ فلما لقيهم قال لهم‏:‏ من أنتم قالوا نفر من الخزرج قال‏:‏ أمن موالي يهود قالوا نعم‏!‏ فقال ألا تجلسون أكلمكم فجلسوا معه فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن‏.‏ فقال بعضهم لبعض‏:‏ تعلموا والله أنه النبي الذي تعدكم يهود به فلا يسبقنكم إليه‏.‏ فأجابوه فيما دعاهم وصدقوه وآمنوا به وأرجأوا الأمر في نصرته إلى لقاء قومهم‏.‏ وقدموا المدينة فذكروا لقومهم شأن النبي صلى الله عليه وسلم ودعوهم إلى الإسلام‏.‏ ففشا فيهم‏.‏ فلم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ ثم وافى الموسم في العام المقبل اثنا عشر منهم فوافوه بالعقبة وهي العقبة الأولى‏.‏ وهم أسعد بن زرارة وعوف بن الحرث وأخوه معاذ إبنا عفراء ورافع بن مالك بن العجلان وعقبة بن عامر من الستة الأولى وستة آخرون منهم من بني غانم بن عوف بن القواقل‏.‏ منهم عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غانم‏.‏ ومن بني زريق ذكوان بن عبد القيس بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق والعباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان‏.‏ هؤلاء التسعة من الخزرج‏.‏ وأبو عبد الرحمن بن زيد بن ثعلبة بن خزيمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة من بني عصية من بلي إحدى بطون قضاعة حليف لهم‏.‏ ومن الأوس رجلان الهيثم بن التيهان واسمه مالك بن التيهان بن مالك بن عتيك بن امرىء القيس بن زيد بن عبد الأشهل وعويم بن ساعدة من بني عمرو بن عوف‏.‏ فبايعوه على الإسلام بيعة النساء وذلك قبل أن يفترض الحرب‏.‏ ومعناه أنه حينئذ لم يؤمر بالجهاد وكانت البيعة على الإسلام فقط كما وقع في بيعة النساء على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن‏:‏ الأية‏.‏ وقال لهم فإن وفيتم فلكم الجنة وإن غشيتم من ذلك شيئاً فأخذتم بحده في الدنيا فهو كفارة له‏.‏ وإن سترتم عليه في الدنيا إلى يوم القيامة فأمركم إلى الله إن شاء عذب وإن شاء غفر‏.‏ وبعث معهم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي يقريهم القرآن ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين‏.‏ فكان يصلي بهم وكان منزله على أسعد بن زرارة وغلب الإسلام في الخزرج وفشا فيهم وبلغ المسلمون من أهل يثرب أربعين رجلاً فجمعوا‏.‏ ثم أسلم من الأوس سعد بن معاذ بن النعمان بن امرىء القيس بن زيد بن عبد الأشهل وابن عمه أسيد بن حضير الكتائب وهما سيدا بني عبد الأشهل‏.‏ وأوعب الإسلام بني عبد الأشهل وأخذ من كل بطن من الأوس ما عدا بني أمية بن زيد وخطمة ووائل وواقف وهي أوس أمه من الأوس من بني حارثة‏.‏ ووقف بهم عن الإسلام أبو قيس بن الأسلت يرى رأيه حتى مضى صدر من الإسلام ولم يبق دار من دور أبناء قيلة إلا وفيها رجال ونساء مسلمون‏.‏ ثم رجع مصعب إلى مكة‏.‏ وقدم المسلمون من أهل المدينة معه فواعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق فبايعوه وكانوا ثلثمائة وسبعين رجلاً وامرأتين بايعوه على الإسلام وأن يمنعوه ممن أراده بسوء ولو كان دون ذلك القتل‏.‏ وأخذ عليهم النقباء اثني عشر تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس وأسلم ليلتئذ عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر بن عبد الله وكان أول من بايع البراء بن معرور من بني تزيد بن جشم من الخزرج وصرخ الشيطان بمكانهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وتنطست قريش الخبر فوجدوه قد كان فخرجوا في طلب القوم وأدركوا سعد بن عبادة وأخذوه وربطوه حتى أطلقه جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل والحرث بن حرب بن أمية بن عبد شمس لجوار كان له عليهما ببلده‏.‏ فلما قدم المسلمون المدينة أظهروا الإسلام ثم كانت بيعة الحرب حتى أذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في القتال فبايعوه على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وأثرته عليهم وأن لا ينازعوا الأمر أهله وأن يقوموا بالحق أينما كانوا ولا يخافوا في الله لومة لائم‏.‏ ولما تمت بيعة العقبة وأذن الله لنبيه في الحرب أمر المهاجرين الذين كانوا يؤذون بمكة أن يلحقوا بإخوانهم من الأنصار بالمدينة فخرجوا أرسالاً وأقام هو بمكة ينتظر الإذن في الهجرة‏.‏ فهاجر من المسلمين كثير سماهم ابن إسحق وغيره‏.‏ وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه في من هاجر هو وأخوه زيد وطلحة بن عبيد الله وحمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة وأنيسة وأبو كبشة موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وعثمان بن عفان رضي الله عنهم‏.‏ ثم أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فهاجر وصحبه أبو بكر رضي الله عنه فقدم المدينة ونزل في الأوس على كلثوم بن مطعم بن امرىء القيس بن الحرث بن زيد بن عبيد بن مالك بن عوف‏.‏ وسيد الخزرج يومئذ عبد الله بن أبي بن سلول‏.‏ وأبي هو ابن مالك بن الحرث بن عبيد واسم أم عبيد سلول‏.‏ وعبيد هو ابن مالك بن سالم بن غانم بن عوف بن غانم بن مالك بن النجار‏.‏ وقد نظموا له الخرز ليملكوه على الحيين فغلب على أمره واجتمعت أبناء قيلة كلهم على الإسلام فضغن لذلك لكنه أظهر أن يكون له اسم منه‏.‏ فأعطى الصفقة وطوى على النفاق كما يذكر بعد‏.‏ وسيد الأوس يومئذ أبو عامر بن عبد عمرو بن صيفي بن النعمان أحد بني ضبيعة بن زيد‏.‏ فخرج إلى مكة هارباً من الإسلام حين رأى اجتماع قومه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بغضاً في الدين‏.‏ ولما فتحت مكة فر إلى الطائف ولما فتح الطائف فر إلى الشام فمات هنالك‏.‏ ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي أيوب الأنصاري حتى ابتنى مساكنه ومسجده ثم انتقل إلى بيته‏.‏ وتلاحق به المهاجرون واستوعب الإسلام سائر الأوس والخزرج وسموا الأنصار يومئذ بما نصروا من دينه‏.‏ وخطبهم النبي صلى الله عليه وسلم وذكرهم وكتب بين المهاجرين والأنصار كتاباً وادع فيه يهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم واشترط عليهم وشرط لهم كما يفيده كتاب ابن إسحق فلينظر هنالك‏.‏ ثم كانت الحرب بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قومه فغزاهم وغزوه وكانت حروبهم سجالاً ثم كان الظهور والظفر لرسول الله صلى الله عليه وسلم آخراً كما نذكر في سيرته صلى الله عليه وسلم وصبر الأنصار في المواطن كلها واستشهد من أشرافهم ورجالاتهم كثير هلكوا في سبيل الله وجهاد عدوه‏.‏ ونقض أثناء ذلك اليهود الذين بيثرب على المهاجرين والأنصار ما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم وظاهروا عليه‏.‏ فأذن الله لنبيه صلى الله عليه وسلم فيهم وحاصرهم طائفة بعد أخرى‏.‏ وأما بنو قينقاع فإنهم تثاوروا مع المسلمين بسيوفهم وقتلوا مسلماً‏.‏ وأما بنو النضير وقريظة فمنهم من قتله الله وأجلاه‏.‏ فأما بنو النضير فكان من شأنهم بعد أحد وبعد بئر معونة جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية العامريين اللذين قتلهما عمرو بن أمية بن القرى‏.‏ ولم يكن علم بعقدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حسبما نذكره فهموا بقتل رسول صلى الله عليه وسلم حين جاءهم لذلك خديعة منهم ومكراً فحاصرهم حتى نزلوا على الجلاء وأن يحملوا ما استقلت به الإبل من أموالهم إلا الحلقة‏.‏ وافترقوا في خيبر وبني قريظة‏.‏ وأما بنو قريظة فظاهروا قريشاً في غزوة الخندق فلما فرج الله كما نذكره حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين ليلة حتى نزلوا على حكمه وكلمته وشفع الأوس فيهم وقالوا تهبهم لنا كما وهبت بني قينقاع للخزرج‏.‏ فرد حكمهم إلى سعد بن معاذ وكان جريحاً في المسجد وأثبت في غزوة الخندق‏.‏ فجاء وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بم تحكم في هؤلاء بعد أن استحلف الأوس أنهم راضون بحكمه فقال يا رسول الله تضرب الأعناق وتسبي الأموال والذرية‏.‏ فقال‏:‏ حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة فقتلوا عن آخرهم وهم ما بين الستمائة والتسعمائة‏.‏ ثم خرج إلى خيبر بعد الحديبية سنة ست فحاصرهم وافتتحها عنوة وضرب رقاب اليهود وسبى نساءهم وكان في السبي صفية بنت حيي بن أخطب وكان أبوها قتل مع بني قريظة وكانت تحت كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وقتله محمد بن مسلمة غزاه من المدينة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ستة نفر فبيته‏.‏ فلما افتتحت خيبر اصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه وقسم الغنائم في الناس من القمح والتمر وكان عدد السهام التي قسمت عليها أموال خيبر ألف سهم وثمانمائة سهم برجالهم وخيلهم الرجال ألف وأربعمائة والخيل مائتان‏.‏ وكانت أرضهم الشق ونطاة والكتيبة‏.‏ فحصلت الكتيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والخمس ففرقها على قرابته ونسائه ومن وصلهم من المسلمين‏.‏ وأعمل أهل خيبر على ولما كان فتح مكة سنة ثمان وغزوة حنين على أثرها وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم فيمن كان يستألفه على الإسلام من قريش وسواهم وجد الأنصار في أنفسهم وقالوا‏:‏ سيوفنا تقطر من دمائهم وغنائمنا تقسم فيهم‏.‏ مع أنهم كانوا ظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فتح بلاده وجمع على الدين قومه أنه سيقيم بأرضه وله غنية عنهم‏.‏ وسمعوا ذلك من بعض المنافقين وبلغ ذلك كله رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمعهم وقال يا معشر الأنصار‏:‏ ما الذي بلغكم عني فصدقوه الحديث‏.‏ فقال ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله وعالةً فأغناكم الله ومتفرقين فجمعكم الله فقالوا الله ورسوله أمن‏.‏ فقال لو شئتم لقلتم جئتنا طريداً فآويناك ومكذباً فصدقناك‏.‏ ولكن والله إني لأعطي رجالاً استألفهم على الدين وغيرهم أحب إلي‏.‏ ألا ترضون أن ينقلب الناس بالشاء والبعير وتنقلبون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم أما والذي نفسي بيده لولا الهجرة لكنت أمرأً من الأنصار‏.‏ الناس دثار وأنتم شعار‏.‏ ولو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار‏!‏ ففرحوا بذلك ورجعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يثرب فلم يزل بين أظهرهم إلى أن قبضه الله إليه‏.‏ ولما كان يوم وفاته صلى الله عليه وسلم اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة بن كعب ودعت الخزرج إلى بيعة سعد بن عبادة وقالوا لقريش‏:‏ منا أمير ومنكم أمير ضنا بالأمر أو بعضه فيهم لما كان من قيامهم بنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وامتنع المهاجرون واحتجوا عليهم بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بالأنصار في الخطبة ولم يخطب بعدها‏.‏ قال‏:‏ أوصيكم بالأنصار أنهم كرشي وعيبتي وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم فأوصيكم بأن تحسنوا إلى محسنهم وتتجاوزوا عن مسيئهم‏.‏ فلو كانت الإمارة لكم لكانت ولم تكن الوصية بكم‏.‏ فحجوهم فقام بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس بن زيد بن مالك بن الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحرث بن الخزرج فبايع لأبي بكر واتبعه الناس‏.‏ فقل حباب بن المنذر بن الجموح بن حرام بن كعب بن غانم بن سلمة بن سعد‏:‏ يا بشير أنفست بها ابن عمك يعني الإمارة‏.‏ قال لا والله ولكني كرهت أن أنازع الحق قوما جعله الله لهم‏.‏ فلما رأى الأوس ما صنع بشير بن سعد وكانوا لا يريدون الأمر للخزرج قاموا فبايعوا أبا بكر‏.‏ ووجد سعد فتخلف عن البيعة ولحق بالشام إلى أن هلك وقتله الجن فيما يزعمون وينشدون من شعر الجن‏:‏ نحن قتلنا سيد الخززج سعد بن عباده ضربناه بسهم فلم تخط فؤاده وكان لابنه قيس من بعده غناء في الأيام وأثر في فتوحات الإسلام‏.‏ وكان له انحياش إلى علي في حروبه مع معاوية وهو القائل لمعاوية بعد مهلك علي رضي الله عنه وقد عرض به معاوية في تشيعه فقال‏:‏ والآن ماذا يا معاوية‏.‏ والله إن القلوب التي أبغضناك بها لفي صدورنا وأن السيوف التي قاتلناك بها لعلى عواتقنا‏.‏ وكان أجود العرب وأعظمهم جثماناً‏.‏ يقال‏:‏ إنه كان إذا ركب تخط رجلاه الأرض‏.‏ ولما ولي يزيد بن معاوية وظهر من عسفه وجوره وادالته الباطل من الحق ما هو معروف امتعضوا للدين وبايعوا لعبد الله بن الزبير حين خرجوا بمكة‏.‏ واجتمعوا على حنظلة بن عبد الله الغسيل ابن أبي عامر بن عبد عمرو بن صيفي بن النعمان بن مالك بن صيفي بن أمية بن ضبيعة بن زيد‏.‏ وعقد ابن الزبير لعبد الله بن مطيع بن إياس على المهاجرين معهم‏.‏ وسرح يزيد إليهم مسلم بن عقبة المري وهو عقبة بن رباح بن أسعد بن ربيعة بن عامر بن مرة بن عوف بن سعد بن دينار بن بغيض بن ريث بن غطفان فيمن فرض عليه من بعوث الشام والمهاجرين فالتقوا بالحرة حرة بني زهرة وكانت الدبرة على الأنصار واستلحمهم جنود يزيد‏.‏ ويقال‏:‏ إنه قتل في ذلك اليوم من المهاجرين والأنصار سبعون بدرياً‏.‏ وهلك عبد الله بن حنظلة يومئذ فيمن هلك‏.‏ وكانت إحدى الكبر التي أتاها يزيد‏.‏ واستفحل ملك الإسلام من بعد ذلك واتسعت دولة العرب وافترقت قبائل المهاجرين والأنصار في قاصية الثغور بالعراق والشام والأندلس وأفريقية والمغرب حاميةً ومرابطين‏.‏ فافترق الحي أجمع من أبناء قيلة وافترقت وأقفرت منهم يثرب ودرسوا فيمن درس من الأمم‏.‏ وتلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم‏.‏ والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين لا خالق سواه ولا معبود إلا إياه ولا خير إلا خيره ولا رب غيره وهو نعم المولى ونعم النصير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين‏.‏

  الخبر عن بني عدنان وانسابهم وشعوبهم وما كان لهم من الدول والملك في الإسلام واولية ذلك ومصايره

قد تقدم لنا أن نسب عدنان إلى إسماعيل عليه السلام باتفاق من النسابين وأن الآباء بينه وبين إسماعيل غير معروفة‏.‏ وتنقلب في غالب الأمر مخلطة مختلفة بالقلة والكثرة في العمر حسبما ذكرناه‏.‏ فأما نسبته إليه فصحيحة في الغالب ونسب النبي صلى الله عليه وسلم منها إلى عدنان صحيح باتفاق من النسابين‏.‏ وأما بين عدنان وإسماعيل فبين الناس فيه اختلاف كثير‏.‏ فقيل من ولد نابت بن إسماعيل وهو عدنان بن أدد المقدم ابن ناحور بن تنوخ بن يعرب بن يشجب بن نابت قاله البيهقي‏.‏ وقيل من ولد قيذار بن إسماعيل وهو عدنان بن أدد بن اليسع بن الهميسع بن سلامان بن نبت بن حمل بن قيذار‏.‏ قاله الجرجاني علي بن عبد العزيز النسابة‏.‏ وقيل عدنان بن يشجب بن أيوب بن قيذار‏.‏ ويقال إن قصي بن كلاب كان يومي شعره بالإنتساب إلى قيذار‏.‏

ونقل القرطبي عن هشام بن محمد‏:‏ فيما بين عدنان وقيذار نحواً من أربعين أباً‏.‏ وقال سمعت رجلاً من أهل تدمر من مسلمة يهود وممن قرأ كتبهم يذكر نسب معد بن عدنان إلى إسماعيل من كتاب إرمياء النبي عليه السلام وهو يقرب من هذا النسب في العدد والأسماء إلا قليلاً‏.‏ ولعل الخلاف أنما جاء من قبل اللغة لأن الأسماء ترجمت من العبرانية‏.‏ ونقل القرطي عن الزبير بن بكار بسنده إلى ابن شهاب‏:‏ فيما بين عدنان وقيذار قريباً من ذلك العدد ونقل عن بعض النسابين أنه حفظ لمعد بن عدنان أربعين أباً إلى إسماعيل‏.‏ وأنه قابل ذلك بما عند أهل الكتاب في نفسه فوجده موافقاً‏.‏ وأنما خالف في بعض الأسماء‏.‏ قال‏:‏ واستمليته فأملاه علي ونقله الطبري إلى آخره‏.‏ ومن النسابين من بعد بين عدنان وإسماعيل عشرين أو خمسة عشر ونحو ذلك‏.‏ وفي الصحيح عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ معد بن عدنان بن أدد بن زيد بن برا بن أعراق الثرى‏.‏ قالت أم سلمة‏:‏ وزيد هو الهميسع وبرا هو نبت أو نابت وأعراق الثرى هو إسماعيل وقد تقدم هذا أول الكتاب‏.‏ وأن السهيلي رد تفسير أم سلمة وقال‏:‏ ليس المراد بالحديث عد الآباء بين معد وإسماعيل وإنما معناه معنى قوله في الحديث الآخر‏:‏ أنتم بنو آدم وآدم من التراب‏.‏ وعضد ذلك باتفاق النسابين على بعد المدة بين عدنان وإسماعيل بحيث يستحيل في العادة أن يكون بينهما أربعة آباء أو خمسة أو عشرة إذ المدة أطول من هذا كله بكثير‏.‏ وكان لعدنان من الولد على ما قال الطبري ستة‏:‏ الربب وهو عك وعرق وبه سميت عرق اليمن وأد وأبي الضحاك وعبق وأمهم مهدد‏.‏ قال هشام بن محمد‏:‏ هي من جديس وقيل من طسم وقيل من الطواسيم من نسل لفشان بن إبراهيم‏.‏ قال الطبري‏:‏ ولما قتل أهل حضورا شعيب بن مهدم نبيهم أوحى الله إلى إرميا وأبرخيا من أنبياء بني إسرائيل بأن يأمرا بختنصر يغزو العرب ويعلماه أن الله سلطه عليهم وأن يحتملا معد بن عدنان إلى أرضهم ويستقذاه من الهلكة لما أراده من شأن النبوة المحمدية في عقبه كما مر ذلك من قبل‏.‏ فحملاه على البراق ابن اثنتي عشرة سنة وخلصا به إلى حران‏.‏ فأقام عندهما وعلماه علم كتابهما‏.‏ وسار بختنصر إلى العرب فلقيه عدنان فيمن اجتمع إليه من حضور أو غيرهم بذات عرق فهزمهم بختنصر وقتلهم أجمعين ورجع إلى بابل بالغنائم والسبي وألقاها بالأنبار‏.‏ ومات عدنان عقب ذلك وبقيت بلاد العرب خراباً حقباً من الدهر‏.‏ حتى إذا هلك بختنصر خرج معد في أنبياء بني إسرائيل إلى مكة فحجوا وحج معهم ووجد أخويه وعمومته من بني عدنان قد لحقوا بطوائف اليمن وتزوجوا فيهم وتعطف عليهم أهل اليمن بولادة جرهم فرجعهم إلى بلادهم‏.‏ وسأل عمن بقي من أولاد الحرث بن مضاض الجرهمي فقيل له جرهم بن جلهة فتزوج ابنته معانة وولدت له نزار بن معد‏.‏ وأما مواطن بني عدنان هؤلاء فهي مختصة بنجد وكلها بادية رحالة إلا قريشاً بمكة ونجد هو مرتع من جانبي الحجاز وطوله مسيرة شهر من أول السروات التي تلي اليمن إلى آخرها المطلة على أرض الشام مع طول تهامة‏.‏ وأوله في أرض الحجاز من جهة العراق العذيب مما يلي الكوفة وهو ماء لبني تميم‏.‏ وإذا دخلت في أرض الحجاز فقد أنجدت‏.‏ وأوله من جهة تهامة الحجاز حضن ولذلك يقال انجد من رأى حضناً‏.‏ قال السهيلي‏:‏ وهو جبل متصل بجبل الطائف الذي أعلى نجد تبيض فيه النسور‏.‏ قال‏:‏ وسكانه بنو جشم بن بكر وهو أول حدود نجد‏.‏ وأرض تهامة من الحجاز في قرب نجد مما يلي بحر القلزم في سمت مكة والمدينة وتيما وأيلة وفي شرقها بينها وبين جبل نجد غير بعيد‏.‏ منها العوالي وهي ما ارتفع عن هذه الأرض ثم تعلو عن السروات ثم ترتفع إلى نجد وهي أعلاها‏.‏ والعوالي والسروات بلاد تفصل بين تهامة ونجد متصلة من اليمن إلى الشام كسروات الخيل تخرج من نجد منفصلة من تهامة داخلة في بلاد أهل الوبر‏.‏ وفي شرقي هذا الجبل برية نجد ما بينه وبين العراق متصلة باليمامة وعمان والبحرين إلى البصرة‏.‏ وفي هذه البرية مشاتي للعرب تشتو بها منهم خلق أحياء لا يحصيهم إلا خالقهم‏.‏ قال السهيلي‏:‏ واختص بنجد من العرب بنو عدنان لم تزاحمهم فيه قحطان إلا طيء من كهلان فيما بين الجبلين سلمى وأجأ وافترق أيضاً من عدنان في تهامة والحجاز ثم في العراق والجزيرة ثم افترقوا بعد الإسلام على الأوطان‏.‏ وأما شعوبهم فمن عدنان عك ومعد فمواطن عك في نواحي زبيد ويقال عك بن الديث بالدال غير منقوطة والثاء مثلثة ابن عدنان‏.‏ يقال إن عكا هذا هو ابن عدثان بالثاء المثلثة ابن عبد الله من بطون الأزد ومن عك بن عدنان بنو عايق بن الشاهد بن علقمة بن عك بطن متسع كان منهم في الإسلام رؤساء وأمراء‏.‏ وأما معد فهو البطن العظيم ومنه تناسل عقب عدنان كلهم وهو الذي تقدم الخبر عنه بأن إرمياء النبي من بني إسرائيل أوحى المحه إليه أن يأمر يختنصر بالإنتقام من العرب وأن يحمل معداً على البراق أن تصيبه النقمة لأنه مستخرج من صلبه نبياً كريماً خاتماً للرسل فكان كذلك‏.‏ ومن ولده إياد ونزار ويقال وقنص وانمار‏.‏ فأما قنص فكانت له الإمارة بعد أبيه على العرب وأراد إخراج أخيه نزار من الحرم فأخرجوه أهل مكة وقدموا عليه نزارأ‏.‏ ولما احتضر قسم ماله بين ولديه فجعل لربيعة الفرس ولضر القبة الحمراء ولأنمار الحمار ولإياد عند من جعله من ولد الحلمة والعصا‏.‏ ثم تحاكموا في هذا الميراث إلى أفعى نجران في قصة معروفة ليست من غرض الكتاب‏.‏ وأما إياد فتشعبوا بطونا كثيرة وتكاثر بنو إسماعيل وانفرد بنو مضر بن نزار برياسة الحرم وخرج بنو إياد إلى العراق ومضى أنمار إلى السروات بعد بنيه في اليمانية وهم خثعم وبجيلة‏.‏ ونزلوا آبار يافه وكان لهم في بلاد الأكاسرة آثار مشهورة إلى أن تابع لهم الأكاسرة الغزو وأبادوهم‏.‏ وأعظم ما باد منهم سابور ذو الأكتاف هو الذي استلحمهم وأفناهم‏.‏ وأما نزار فمنه البطنان العظيمان ربيعة ومضر ويقال‏:‏ إي إياداً يرجعون إلى نزار وكذلك أنمار‏.‏ فأما ربيعة فديارهم ما بين الجزيرة والعراق وهم ضبيعة وأسد ابنا ربيعة‏.‏ ومن أسد عنزة وجديلة ابنا أسد فعنزة بلادهم في عين التمر في برية العراق على ثلاثة مراحل من الأنبار‏.‏ ثم انتقلوا عنها إلى جهات خيبر فهم هنالك‏.‏ وورثتت بلادهم غزية من طيء الذين لهم الكثرة والإمارة بالعراق لهذا العهد‏.‏ ومن عنزة هؤلاء بأفريقية حي قليل مع رياح من بني هلال بن عامر‏.‏ ومنهم أحياء مع طيء ينتجعون ويشتون في برية نجد‏.‏ وأما جديلة فمنهم عبد القيس وهنب ابنا أفصى بن دعمي بن جديلة‏.‏ فأما عبد القيس وكانت مواطنهم بتهامة ثم خرجوا إلى البحرين وهي بلاد واسعة على بحر فارس من غربيه وتتصل باليمامة من شرقيها والبصره من شماليها وبعمان من جنوبها وتعرف ببلاد هجر‏.‏ ومنها القطيف وهجر والعسير وجزيرة أوال والأحسا‏.‏ وهجر هي باب اليمن من العراق‏.‏ وكانت أيام الأكاسرة من أعمال الفرس وممالكهم‏.‏ وكان بها بشر كثير من بكر بن وائل وتميم في باديتها‏.‏ فلما نزل معهم بنو عبد القيس زاحموهم في ديارهم تلك وقاسموهم في الموطن ووفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وأسلموا‏.‏ ووفد منهم المنذر بن عائد بن المنذر بن الحارث بن النعمان بن زياد بن نصر بن عمرو بن عوف بن جذيمة بن عوف بن انمار بن عمرو بن وديعة بن بكر‏.‏ وذكروا أنه سيدهم وقائدهم إلى الإسلام فكانت له صحبة ومكانة من النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ووفد أيضاً الجارود بن عمرو بن حنش بن المعلى بن زيد بن حارثة بن معاوية بن ثعلبة بن جذيمة‏.‏ وثعلبة أخو عوف بن جذيمة وفد في عبد القيس سنة تسع مع المنذر بن ساوي من بني تميم وسيأتي ذكره‏.‏ وكان نصرانياً فأسلم وكانت له أيضاً صحبة ومكانة‏.‏ وكان عبد القيس هؤلاء من أهل الرفق بعد الوفاة‏.‏ وأمروا عليهم المنذر بن النعمان الذي قتل كسرى أباه فبعث إليهم أبو بكر بن العلا بن الحضرمي في فتح البحرين وقتل المنذر‏.‏ ولم تزل رياسة عبد القيس في بني الجارود أولاً ثم في ابنه المنذر وولاه عمر على البحرين ثم ولاه على إصطخر ثم عبد الله بن زياد ولاه على الهند‏.‏ ثم ابنه حكيم بن المنذر‏.‏ وتردد على ولاية البحرين قبل ولاية العراق‏.‏ وأما هنب بن أفضى فمنهم النمر ووائل ابنا قاسط بن هنب‏.‏ فأما بنو النمر بن قاسط فبلادهم رأس العين ومنهم صهيب بن سنان بن مالك بن عبد عمرو بن عقيل بن عامر بن جندلة بن جذيمة بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس مناة بن النمر بن قاسط صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهور وينسب إلى الروم‏.‏ وكان سنان أبوه استعمله كسرى على الأبلة وكان لبني النمر بن قاسط شأن في الردة مذكور‏.‏ ومنهم ابن القرية المشهور بالفصاحة أيام الحجاج ومنصور بن النمر الشاعر مادح الرشيد‏.‏ وأما بنو وائل فبطن عظيم متسع أشهرهم بنو تغلب وبنو بكر بن وائل وهما اللذان كانت بينهما الحروب المشهورة التي طالت فيما يقال أربعين سنة‏.‏ فلبني تغلب شهرة وكثرة وكانت بلادهم بالجزيرة الفراتية بجهات سنجار ونصيبين وتعرف بديار ربيعة‏.‏ وكانت النصرانية غالبة عليهم لمجاورة الروم‏.‏ ومن بني تغلب عمرو بن كلثوم الشاعر‏.‏ وهو عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غانم بن تغلب وأمه هند بنت مهلهل‏.‏ ومن ولده مالك بن طوق بن مالك بن عتاب بن زافر بن شريح بن عبد الله بن عمرو بن كلثوم وإليه تنسب رحبة مالك بن طوق على الفرات‏.‏ وعاصم بن النعمان عم عمرو بن كلثوم هو الذي قتل شرحبيل بن الحرث الملك آكل المرار يوم الكلاب‏.‏ ومن بني تغلب كليب ومهلهل ابنا ربيعة بن الحرث بن زهير بن جشم‏.‏ وكان كليب سيد بني تغلب وهو الذي قتله جساس بن مرة بن ذهل بن شيبان وكان متزوجاً بأخته فرعت ناقة البسوس في حمى كليب فرماها بسهم فأثبتها‏.‏ وقتله جساس لأن البسوس كانت جارته فقام أخو كليب وهو مهلهل بن الحرث كمن برياسة تغلب وطلب بكر بن وائل بثأر كليب فاتصلت الحرب بينهم أربعين سنة وأخبارها معروفة‏.‏ وطال عمر مهلهل وتغرب إلى اليمن فقتله عبدان له في طريقه‏.‏ وبنو شعبة الذين بالطائف لهذا العهد من ولد شعبة بن مهلهل‏.‏ ومن تغلب الوليد بن طريف بن عامر الخارجي وهو من بني صيفي بن حي بن عمرو بن بكر بن حبيب وهو الذي رثته أخته ليلى بقولها‏:‏ أيا شجر الخابور مالك مورقاً كأنك لم تجزع على ابن طريف فتى لا يريد العز إلا من التقى ولا المال إلا من قناً وسيوف خفيف على ظهر الجواد إلى الوغى وليس على أعدائه بخفيف فلو كان هذا الموت يقبل فديةً فديناه من ساداتنا بألوف ومنهم بنو حمدان ملوك الموصل والجزيرة أيام المتقي ومن بعده من خلفاء العباسيين وسيأتي ذكرهم في أخبار بني العباس وهم بنو حمدان من بني عدي بن أسامة بن غانم بن تغلب كان منهم سيف الدولة الملك المشهور‏.‏ وأما بكر بن وائل ففيهم الشهرة والعدد فمنهم يشكر بن بكر بن وائل‏.‏ وبنو عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل ومنهم بنو حنيفة وبنو عجل ابني لجيم بن صعب ففي بني حنيفة بطون متعددة أكثرهم بنو الدول بن حنيفة فيهم البيت والعدد ومواطنهم باليمامة وهي من أوطان الحجاز كما هي نجران من اليمن‏.‏ والشرقي منها يوالي البحري وبني تميم والغرب يوالي أطراف اليمن والحجاز والجنوب نجران والشمالي أرض نجد وطول اليمامة عشرون مرحلة وهي على أربعة أيام من مكة بلاد نخل وزرع وقاعدتها حجر بالفتح وبها بلد اسمه اليمامة ويسمى أيضاً جو باسم الزرقا‏.‏ وكانت مقراً للملوك قبل بني حنيفة‏.‏ واتخذ بنو حنيفة بعدها بلد حجر وبقي كذلك في الإسلام‏.‏ وكانت مواطن اليمامة لبني همدان بن يعفر بن السكسك بن وائل بن حمير غلبوا على من كان بها من طسم وجديس‏.‏ وكان آخر ملوكهم بها فيما ذكره الطبري قرط بن يعفر‏.‏ ثم هلك فغلب عليها بعده طسم وجديس‏.‏ وكانت منهم الزرقا أخت رياح بن مرة بن طسم كما تقدم في أخبارهم‏.‏ ثم استولى على اليمامة آخراً بنو حنيفة وغلبوا عليها طسمأ وجديساً‏.‏ وكان ملكها منهم هوذة بن علي بن ثمامة بن عمرو بن عبد العزى بن سحيم بن مرة ابن الدول بن حنيفة وتوجه كسرى وابن عمه عمرو بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن عبد العزى قاتل المنذر ابن ماء السماء يوم عين أباغ‏.‏ وكان منهم ثمامة بن أثال بن النعمان بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن الدول بن حنيفة ملك اليمامة عند المبعث وثبت عند الردة‏.‏ ومنهم الخارجي نافع بن الأزرق بن قيس بن صبرة بن ذهل بن الدول بن حنيفة وإليه تنسب الأزارقة ومنهم محلم بن سبيع بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن الدول بن حنيفة صاحب مسيلمة الكذاب وهو‏:‏ من بني عدي بن حنيفة‏.‏ وهو مسيلمة بن ثمامة بن كثير بن حبيب بن الحرث بن عبد الحرث بن عدي‏.‏ وأخبار مسلمة في الردة معروفة وسيأتي الخبر عنها‏.‏ وأما بنو عجل بن لجيم بن صعب وهم الذين هزموا الفرس بمؤتة يوم في قار كما مر فمنازلهم من اليمامة إلى البصرة وقد دثروا وخلفهم اليوم في تلك البلاد بنو عامر المنتفق بن عقيل بن عامر وكان منهم بنو أبي دلف العجلي‏.‏ كانت لهم دولة بعراق العجم يأتي ذكرها‏.‏ وأما عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل فمنهم تيم الله وقيس ابنا ثعلبة بن عكابة وشيبان بن ذهل بن ثعلبة بطون ثلاثة عظيمة وأوسعها وأكثرها شعوبأ بنو شيبان‏.‏ وكانت لهم كثرة في صدر الإسلام شرقي دجلة في جهات الموصل‏.‏ وأكثر أئمة الخوارج في ربيعة منهم وسيدهم في الجاهلية مرة بن ذهل بن شيبان كان له أولاد عشرة نسلوا عشرة قبائل أشهرهم همام وجساس وسادهما بعد أبيه‏.‏ وقال ابن حزم‏:‏ تفرع من هام ثمانية وعشرون بطناً‏.‏ وأما جساس فقتل كليبا زوج أخته وهو سيد تغلب حين قتل ناقة البسوس جارته‏.‏ وأقام ابن كليب عند بني شيبان إلى أن كبر وعقل أن جساساً خاله هو الذي قتل أباه قتله ورجع إلى تغلب‏.‏ فمن ولد جساس بنو الشيخ كانت لهم رياسة بآمد وانتقطعت على يد المعتضد‏.‏ ومن بني شيبان هانىء بن مسعود الذي منع حلقة النعمان من أبرويز لما كانت وديعة عنده‏.‏ وكان سبب ذلك يوم ذي قار‏.‏ وهو هانىء بن مسعود بن عامر بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان‏.‏ ومنهم الضحاك بن قيس الخارجي الذي بويع أيام مروان بن محمد على مذهب الصفرية وملك الكوفة وغيرها وبايعه بالخلافة جماعة من بني أمية‏.‏ منهم سليمان بن هشام بن عبد الملك وعبد الله بن عمر بن عبد العزيز‏.‏ وقتله آخراً مروان بن محمد وهو الضحاك بن قيس بن الحصين بن عبد الله بن ثعلبة بن زيد مناة بن أبي عمرو بن عوف بن ربيعة بن محلم بن ذهل بن شيبان وسيأتي الإلمام بخبره‏.‏ ومنهم المثنى بن حارثة الذي فتح سواد العراق أيام أبي بكر وعمر وأخوه المعنى بن حارثة‏.‏ منهم عمران بن حظان من أعلام الخوارج وهذا انقضاء الكلام في ربيعة بن نزار والله المعين‏.‏ مضر بن نزار وأما مضر بن نزار وكانوا أهل الكثرة والغلب بالحجاز من سائر بني عدنان وكانت لهم رياسة بمكة فيجمعهم فخذان عظيمان وهما خندف وقيس لأنه كان له من الولد اثنان الياس وقيس عيلان عبد حضنة قيس فنسب إليه وقيل هو فرس‏.‏ وقد قيل أن عيلان هو ابن مضر واسمه الياس وأن له ابنين قيس ودهم وليس ذلك بصحيح‏.‏ وكان لالياس ثلاثة من الولد مدركة وطابخة وقمعة لأمرأة من قضاعة تسمى خندف فانتسب بنو الياس كلهم إليها‏.‏ وانقسمت مضر إلى خندف وقيس عيلان‏.‏ فأما قيس فتشعبت إلى ثلاث بطون من كعب وعمرو وسعد بنيه الثلاثة‏.‏ فمن عمرو بنو فهم وبنو عدوان ابني عمرو بن قيس وعدوان بطن متسع وكانت منازلهم الطائف من أرض نجد نزلها بعد إياد العمالقة ثم غلبتهم عليها ثفيف فخرجوا إلى تهامة‏.‏ وكان منهم عامر بن الظرب بن عمرو بن عباد بن يشكر بن عدوان حكم العرب في الجاهلية‏.‏ وكان منهم أيضاً أبو سيارة الذي يدفع بالناس في الموسم وعميلة بن الأعزل بن خالد بن سعد بن الحرث بن رايش بن زيد بن عدوان‏.‏ وبأفريقية لهذا العهد منهم أحياء بادية بالقفر يظعنون مع بني سليم تارة ومع رياح بن هلال بن عامر أخرى‏.‏ ومن بني فهم بن عمرو فيما ذكر البيهقي بنو طرود بن فهم بطن متسع كانوا بأرض نجد وكان منهم الأعشى وليس منهم الآن بها أحد‏.‏ وبأفريقية لهذا العهد حي يظعنون مع سليم ورياح‏.‏ وانقضى الكلام في بني عمرو بن قيس‏.‏ وأما سعد بن قيس فمنهم غني وباهلة وغطفان ومرة‏.‏ فأما غني فهم بنو عمرو بن أعصر بن سعد وأما باهلة فمنهم بنو مالك أعصر بن سعد صاحب خراسان المشهور‏.‏ ومنهم أيضاً الأصمعي راوية العرب المشهور وهو عبد الملك بن علي بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع بن مطر بن رياح بن عمرو بن عبد شمس بن أعيا بن سعد بن عبد غانم بن قتيبة بن معن بن مالك‏.‏ وأما بنو غطفان بن سعد‏:‏ فبطن عظيم متسع كثير الشعوب والبطون ومنازلهم بنجد مما يلي وادي القرى وجبلي طيء‏.‏ ثم افترقوا في الفتوحات الإسلامية واستولت عليها قبائل طيء وليس منهم اليوم عمودة رجالة في قطر من الأقطار إلا ما كان لفزارة ورواحة في جوار هيب ببلاد برقة وبنو غطفان بطون ثلاثة‏:‏ منهم أشجع بن ريث بن غطفان وعبس بن بغيض بن ريث بن غطفان وذبيان‏.‏ فأما اشجع فكانوا عرب المدينة يثرب وكان سيدهم معقل بن سنان من الصحابة وكان منهم نعيم بن مسعود بن أنيف بن ثعلبة بن قند بن خلاوة بن سبيع بن أشجع الذي شتت جموع الأحزاب عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخرين مذكورين منهم وليس لهذا العهد منهم بنجد أحد إلا بقايا حوالي المدينة النبوية وبالمغرب الأقصى‏.‏ منهم حي عظيم الآن يظعنون مع عرب المعقل بجهات سجلماسة ووادي ملوية ولهم عدد وذكر‏.‏ وأما بنو عبس فبيتهم في بني عدة بن قطيعة كان منهم الربيع بن زياد وزير النعمان ثم إخوتهم بنو الحرث بن قطيعة كان منهم زهير بن جذيمة بن رواحة بن ربيعة بن آزر بن الحرث سيدهم وكانت له السيادة على غطفان أجمع‏.‏ وله بنون أربعة منهم قيس ساد بعده على عبس وابنه زهير هو صاحب حرب داحس والغبرا‏:‏ فرسين كانت إحداها وهي داحس لقيس والأخرى وهي الغبرا لحذيفة بن بدر سيد فزارة فأجرياهما وتشاحا في الحكم بالسبق فتشاجرا وتحاربا وقتل قيس حذيفة ودامت الحرب بين عبس وفزارة وأخوة قيس بن زهير الحرث وشاس ومالك وقتل مالك في تلك الحرب‏.‏ وكان منهم الصحابي المشهور خذيفة بن اليماني بن حسل بن جابر بن ربيعة بن جروة بن الحرث بن قطيعة‏.‏ ومن عبس بن جابر بنو غالب بن قطيعة‏.‏ ثم عنترة بن معاوية بن شداد بن مراد بن مخزوم بن مالك بن غالب الفارس المشهور وأحد الشعراء الستة في الجاهلية‏.‏ وكان بعده من أهل نسبه وقرابته الحطيئة الشاعر المشهور واسمه جرول بن أوس بن جؤية بن مخزوم‏.‏ وليس بنجد لهذا العهد أحد من بني عبس‏.‏ وفي أحياء زغبة من بني هلال لهذا العهد أحياء ينتسبون إلى عبس فما أدري من عبس هؤلاء أم هو عبس آخر من زغبة نسبوا إليه‏.‏ وأما ذبيان بن بغيض‏:‏ فلهم بطون ثلاثة‏:‏ مرة وثعلبة وفزارة‏.‏ فأما فزارة فهم خمسة شعوب‏:‏ عدي وسعد وشمخ ومازن وظالم‏.‏ وفي بدر بن عدي كانت رياستهم في الجاهلية وكانوا يرأسون جميع غطفان‏.‏ ومن قيس وإخوتهم بنو ثعلبة بن عدي كان منهم حنيفة بن بدر بن جؤية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة الذي راهن قيس بن زهير العبسي على جري داحس والغبرا وكانت بسبب ذلك الحرب المعروفة‏.‏ ومن ولده عيينة بن حصن بن حنيفة الذي قاد الأحزاب إلى المدينة وأغار على المدينة لأول بيعة أبي بكر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميه الأحمق المطاع‏.‏ ومنهم أيضأ الصحابي المشهور سمرة بن جندب بن هلال بن خديج بن مرة بن خرق بن عمرو بن جابر بن خشين في الرأسين بن لاي بن عصيم بن شمخ بن فزارة‏.‏ ومن بني سعد بن فزارة يزيد بن عمرو بن هبيرة بن معية بن سكين بن خديج بن بغيض بن مالك بن سعد بن عدي بن فزارة ولي العراقين هو وأبوه أيام يزيد بن عبد الملك ومروان بن محمد وهو الذي قتله المنصور بعد أن عاهده‏.‏ ومن بني مازن بن فزارة هرم بن قطبة أدرك الإسلام وأسلم إلى آخرين يطول ذكرهم ولم يبق بنجد منهم أحد‏.‏ وقال ابن سعيد‏:‏ إن أبرق الحنان وأبانا من وادي القرى من معالم بلادهم وأن جيرانهم من طيء مولدها لهذا العهد وأن بأرض برقة منهم إلى طرابلس قبائل رواحة وهيب وفزان‏.‏ قلت‏:‏ وبأفريقية والمغرب لهذا العهد أحياء كثيرة اختلطوا مع أهله فمنهم مع المعقل بالمغرب الأقصى أحياء كثيرة لهم عدد وذكر بالمعقل إلى الإستظهار بهم حاجة‏.‏ ومنهم مع بني سليم بن منصور بأفريقية طائفة أخرى أحلاف لأولاد أبي الليل من شعوب بني سليم يستظهرون بهم في مواقف حروبهم ويولونهم على ما يتولونه للسلطان من أمور باديتهم نيابةً عنهم شأن الوزراء في الدول‏.‏ وكان من أشهرهم معن بن معاطن وزير حمزة بن عمر بن أبي الليل أمير الكعوب بعده حسبما نذكره في أخبارهم وربما يزعم بنو مرين أمراء الزاب لهذا العهد أنهم منهم وينتسبون إلى مازن بن فزارة وليس ذلك بصحيح‏.‏ وهو نسب مصون يتقرب به إليهم بعض البدو من فزارة هؤلاء طمعأ فيما بأيديهم لمكانهم من ولاية الزاب والإنفراد بجبايته ومصانعة الناس بوفرها فيلهجونهم بذلك ترفعاً على أهل نسبهم بالحقيقة من الأثابج كما يذكر لكونه تحت أيديهم وأما بنو مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان فمنهم هرم بن سنان بن غيظ بن مرة وهو سيدهم في الجاهلية الذي مدحه زهير بن أبي سلمى‏.‏ ومنهم أيضأ الفاتك وهو الحرث بن ظالم بن جذيمة بن يربوع بن غيظ‏.‏ فتك بخالد بن جعفر بن كلاب وشرحبيل بن الأسود بن المنذر وحصل ابن الحرث في يد النعمان بن المنذر فقتله‏.‏ وشاعره في الجاهلية النابغة زياد بن عمرو الذبياني أحد الشعراء الستة‏.‏ ومنهم أيضاً مسلم بن عقبة بن رياح بن سعد بن ربيعة بن عامر بن مالك بن يربوع قائد يزيد بن معاوية صاحب يوم الحرة على أهل المدينة إلى آخرين يطول ذكرهم‏.‏ وهذا آخر الكلام في بني غطفان وبلادهم بنجد مما يلي وادي القرى‏.‏ وبها من المعالم أبنى والحاجر والهباءة وأبرق الحنان‏.‏ وتفرقوا على بلاد الإسلام في الفتوحات ولم يبق لهم في تلك البلاد ذكر ونزلت بها قبائل طيء‏.‏ وبانقضاء ذكرهم انقضى بنو سعد بن قيس‏.‏ وأما خصفة بن قيس‏:‏ فتفرع منهم بطنان عظيمان وهما بنو سليم بن منصور وهوازن بن منصور‏.‏ ولهوازن بطون كثيرة يأتي ذكرها‏.‏ ويلحق بهذين البطنين بنو مازن بن منصور وعددهم قليل وكان منهم عتبة بن غزوان بن جابر بن وهب بن نشيب بن وهب بن زيد بن مالك بن عبد عوف بن الحرث بن مازن الصحابي المشهور الذي بنى البصرة لعمر بن الخطاب وإليه ينسب العتبيون الذين سادوا بخراسان‏.‏ ويلحق أيضا بنو محارب بن خصفة‏.‏ فأما بنو سليم فشعوبهم كثيرة منهم بنو ذكوان بن رفاعة بن الحارث بن رجا بن الحارث بن بهثة بن سليم وإخوتهم بنو عبس بن رفاعة الذين منهم عباس بن مرداس بن أبي عامر بن حارثة بن عبد عبس الصحابي المشهور الذي أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين في المؤلفة قلوبهم‏.‏ ثم زاده حين غضب استقلالاً لعطائه وأنشد الأبيات المعروفة في السير‏.‏ وكان أبوه مرداس تزوج الخنساء وولدت منه‏.‏ ومن بني سليم أيضاً بنو ثعلبة بن بهثة بن سليم‏.‏ كان منهم عبيد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي الأعور والي أفريقية وجد أبو الأعور من قواد ماوية واسمه عمرو بن سفيان بن عبد شمس بن سعد بن قائف بن الأوقص بن مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة والرود بن خالد بن حذيفة بن عمرو بن خلف بن مازن بن مالك بن ثعلبة وكان على بني سليم يوم الفتح‏.‏ وعمرو بن عتبة بن منقذ بن عامر بن خالد كان صديقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية‏.‏ وأسلم ثلاث أبو بكر وبلال فكان يقول كنت يومئذ ربع الإسلام‏.‏ ومن بني سليم أيضاً بنو علي بن مالك بن امرىء القيس بن بهثة وبنو عصية بن خفاف بن امرىء القيس وهما اللذان لعنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بئر معونة وقتلهم إياهم‏.‏ ومن شعوب عصية الشريد واسمه عمرو بن يقظة بن عصية‏.‏ وقال ابن سعيد‏:‏ الشريد بن رياح بن ثعلبة بن عصية الذين كانت منهم الخنساء وأخواها صخر ومعاوية ابنا عمرو بن الحرث بن الشريد والشريد بيت سليم في الجاهلية‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ كان عمرو بن الشريد يمسك بيده ابنيه صخراً ومعاوية في الموسم فيقول أنا أبو خيري مضر ومن أنكر فليعتبر فلا ينكر أحد‏.‏ وابنته الخنساء الشاعرة وقد تقدم ذكرها وحضرت بأولادها حروب القادسية‏.‏ وبنو الشريد لهذا العصر في جملة بني سليم في أفريقية ولهم شوكة وصولة ومنهم إخوة عصية بن خفاف الذين كان منهم الخفاف كبير أهل الردة الذي أحرقه أبو بكر بالنار واسمه إياس بن عبد الله بن أليل بن سلمة بن عميرة‏.‏ ومن بني سليم أيضاً‏:‏ بنو بهز بن امرىء القيس بن بهثة كان منهم الحجاج بن علاط بن خالد بن نديرة بن حبتربن هلال بن عبد ظفر بن سعد بن عمرو بن تميم بن بهز الصحابي المشهور وابنه نصر بن حجاج الذي نفاه عمر عن المدينة إلى آخرين من سليم يطول ذكرهم‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ ومن بني سليم بنو زغبة بن مالك بن بهثة كانوا بين الحرمين ثم انتقلوا إلى المغرب فسكنوا بأفريقية في جوار إخوتهم بني ذياب بن مالك ثم صاروا في جوار بني كعب‏.‏ ومن بني سليم بنو ذياب بن مالك ومنازلهم ما بين قابس وبرقة يجاورون مواطن يعهب‏.‏ وبجهة المدينة خلق منهم يؤذون الحاج ويقطعون الطريق‏.‏ وبنو سليمان بن ذياب في جهة فزان وودان ورؤساء ذياب لهذا العهد الجواري ما بين طرابلس وقابس وبيتهم بنو صابر والمحامد بنواحي فاس وبيتهم في بني رصاب بن محمود وسيأتي ذكرهم‏.‏

ومن بني سليم بنو عوف بن بهثة‏:‏ ما بين قابس وبلد العناب من أفريقية وجرما هم مرداس وعلاق فأما مرداس فرياستهم في بني جامع لهذا العهد وأما علاق فكان رئيسهم الأول في دخولهم أفريقية رافع بن حماد ومن أعقابه بنو كعب رؤساء سليم لهذا العهد بأفريقية‏.‏ ومن بني سليم بنو يعهب بن بهثة إخوة بني عوف بن بهثة وهم ما بين السدرة من برقة إلى العدوة الكبيرة‏.‏ ثم الصغيرة من حدود الإسكندرية‏.‏ فأول ما يلي الغرب منهم بنو أحمد لهم أجدابية وجهاتها وهم عدد يرهبهم الحاج ويرجعون إلى شماخ‏.‏ وقبائل شماخ لها عدد وأسماء متمايزة ولها العز في بيت لكونها جازت المحصب من بلاد برقة مثل المرج وطلميثا ودرنا‏.‏ وفي المشرق عن بني أحمد إلى العقبة الكبيرة وأما الصغيرة فسال ومحارب والرياسة في هذين القبيلتين لبني عزاز وهبيب بخلاف سائر سليم لأنها استولت على إقليم طويل خربت مدنه ولم يبق فيه مملكة ولا ولاية إلا لأشياخها وتحت أيديهم خلق من البرابرة واليهود زراعاً وتجاراً‏.‏ وأما رواحة وفزارة اللذين في بلاد هبيب فهم من غطفان وهذا آخر الكلام في بني سليم بن منصور وكانت بلادهم في عالية نجد بالغرب وخيبر ومنها حرة بني سليم وحرة النار بين وادي القرى وتيماً وليس لهم الآن عدد ولا بقية في بلادهم وبأفريقية منهم خلق عظيم كما يأتي ذكره في أخبارهم عند ذكر الطبقة الرابعة من العرب‏.‏ وأما هوازن بن منصور‏:‏ ففيهم بطون كثيرة يجمعهم ثلاثة أجرام كلهم لبكر بن هوازن وهم بنو سعد بن بكر وبنو معاوية بن بكر وبنو منبه بن بكر‏.‏ فأما بنو سعد بن بكر وهم أظآر النبي صلى الله عليه وسلم أرضعته منهم حليمة بنت أبي ذؤيب بن عبد الله بن الحرث بن سحنة بن ناصرة بن عصية بن نصر بن أسعد وبنوها عبد الله وأنيسة والشيما بنو الحرث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملاذ بن ناصرة‏.‏ وحصلت الشيما في سبي هوزان فأكرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وردها إلى قومها وكان فيها أثر عضة عضها إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تحمله‏.‏ فأما بنو منبة بن بكر فمنهم ثقيف وهم بنو قسي بن منبه بطن عظيم متسع منهم بنو جهم بن ثقيف كان منهم عثمان بن عبد الله بن ربيعة بن حبيب بن الحرث بن مالك بن حطيط صاحب لوائهم يوم حنين وقتل يومئذ كافراً وكان من ولده أمير الأندلس لسليمان بن عبد الملك وهو الحر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان‏.‏ ومنهم بنو عوف بن ثقيف ويعرفون بالأحلاف‏.‏ فمنهم بنو سعد بن عوف كان منهم عتبان بن مالك بن كعب بن عمرون بن سعد بن عوف الذي وضعته ثقيف رهينة عند أبي مكسورة وأخوه معتب‏.‏ كان من بنيه عروه بن مسعود بن معتب الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه داعيأ إلى الإسلام فقتلوه وهو أحد عظيمي القريتين ومن بنيه أيضأ الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب صاحب العراقين لعبد الملك وابنه الوليد‏.‏ ومنهم يوسف بن عمر بن محمد بن عبد الحكم والي العراقين لهشام بن عبد الملك والوليد بن يزيد وكثير من قومه كانوا ولاة بالعراق والشام واليمن ومكة‏.‏ ومن بني معتب أيضأ غيلان بن مسلمة بن معتب كانت له وفادة على كسرى‏.‏ ومنهم بنو غيرة بن عوف الذين منهم الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب بن علاج بن أبي سلمة بن عبد العزى بن غيرة بن عوف بن ثقيف‏.‏ والحرث بن كلدة بن عمرو بن علاج طبيب العرب وأبو عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن غيرة الصحابي المقتول يوم الجسر من أيام القادسية وابنه المختار بن أبي عبيد الذي ادعى النبوة بالكوفة وكان عاملأ عليها لعبد الله بن الزبير فانتقض عليه ودعا لمحمد بن الحنفية ثم ادعى النبوة‏.‏ ومنهم أبو محجن بن حبيب بن عمرو بن عمير في آخرين يطول ذكرهم‏.‏ ومواطن ثقفيت كانت بالطائف وهي مدينة من أرض نجد قريباً من مكة‏.‏ ثم جلس في شرقها وشمالها وهي على قبة الجبل كانت تسمى واج وبوج‏.‏ وكانت في الجاهلية للعمالقة ثم نزلتها ثمود قبل وادي القرى‏.‏ ومن ثم يقال أن ثقيفاً كانت من بقايا ثمود ويقال‏:‏ أن الذي سكنها بعد العمالقة عدوان وغلبهم عليها ثقيف وهي الآن دارهم كذا ذكره السهيلي‏.‏ ويقال‏:‏ أنهم موال لهوازن ويقال أنهم من إياد‏.‏ ومن أعمال الطائف سوق عكاظ والعرج‏.‏ وعكاظ حجر بين اليمن والحجاز وكانت سوقها في الجاهلية يوماً في السنة يقصدها العرب من الأقطار فكانت لهم موسماً‏.‏ وأما بنو معاوية بن بكر بن هوازن ففيهم بطون كثيرة‏:‏ منهم بنو نصر بن معاوية الذين منهم مالك بن سعد بن عوف بن سعد بن ربيعة بن يربوع بن واثلة بن دهمان بن نصر قائد المشركين يوم حنين وأسلم وحسن إسلامه‏.‏ ومنهم بنو جشم بن معاوية ومن جشم غزية رهط بن دريد الصمة ومواطنهم بالسروات وهي بلاد تفصل بين تهامة ونجد متصلة من اليمن إلى الشام كسروات الجبل وسروات جشم متصلة بسروات هذيل‏.‏ وانتقل معظمهم إلى الغرب وهم الآن به كما يأتي ذكره في الطبقة الرابعة من العرب ولم يبق بالسروات منهم إلا من ليس له صولة‏.‏ ومنهم بنو سلول ومنهم بنو مرة بن صعصعة بن معاوية‏.‏ وإنما عرفرا بأمهم سلول‏.‏ وكانوا في الغرب كثيراً وفي الغرب منهم كثير لهذا العهد‏.‏ ومنهم فيما يزعم العرب بنو يزيد أهل وطن حمزة غربي بجاية وبعض أحياء بجيل عياض‏.‏ كما نذكر منهم بنو عامر بن صعصعة بن معاوية جرم كبير من أجرام العرب لهم بطون أربعة‏:‏ نمير وربيعة وهلال وسوأة فأما نمير بن عامر فهم إحدى جمرات العرب وكانت لهم كثرة وعزة في الجاهلية والإسلام ودخلوا إلى الجزيرة الفراتية وملكوا حرار وغيرها واستلحمهم بنو العباس أيام المعتز فهلكوا ودثروا‏.‏ وأما سوأة بن عامر فشعوبهم في رباب من سمرة بن سوأة فمنهم جابر بن سمرة بن جنادة بن جندب بن رباب الصحابي المشهور ومن بطون رباب هؤلاء بأفريقية حي ينجعون مع رياح بن هلال ويعرفون بهذا النسب كما يأتي في أخبار هلال من الطبقة الرابعة‏.‏ وأما هلال بن عامر فبطون كثيرة كانوا في الجاهلية بنجد ثم ساروا إلى ديار المصرية في حروب القرامطة‏.‏ ثم ساروا إلى أفريقيا أجازهم الوزير البارزي في خلافة المستنصر العبيدي لحرب المعز بن باديس‏.‏ فملك عليه ضواحي أفريقية ثم زاحمهم بنو سليم فساروا إلى الغرب ما بين بونة وقسنطينة إلى البحر المحيط‏.‏ وكان لهلال خمسة من الولد‏:‏ شعبة وناشرة ونهيك وعبد مناف وعبد الله وبطونهم كلها ترجع إلى هؤلاء الخمسة‏.‏ فكان من بني عبد مناف زينب أم المؤمنين بنت خزيمة بن الحرث بن عبد الله بن عمرو بن عبد الله بن عبد مناف وكان من بني عبد الله ميمونة أم المؤمنين بنت الحرث بن حزن بن بحير بن هرم بن رويبة بن عبد الله‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ ومن بطون بني هلال بنو قرة وبنو نعجة الذين بين مصر وأفريقية وبنو حرب الذين بالحجاز وبنو رياح الذين أفسدوا أفريقية‏.‏ وقال ابن سعيد‏:‏ وجيل بني هلال مشهور بالشام وقد صار عربه حرائر وفيه قلعة صرخد مشهورة‏.‏ قال‏:‏ وقبائلهم في العرب ترجع لهذا العهد إلى أثبج ورياح وزغبة وقارع‏.‏ فأما الأثبج فمنهم سراح بجهة برقة وعياض بجبل القلعة المسمى لهم ولغيرهم‏.‏ وأما رياح فبلادهم بنواحي قسنطينة والسلم والزاب‏.‏ ومنهم عتبة بنواحي بجاية ومنهم بالغرب الأقصى خلق كثير كما يأتي في أخبارهم‏.‏ وأما زغبة فإنهم في بلاد زناتة خلق كثير‏.‏ وأما قارع فإنهم في الغرب الأقصى مع المعقل وقرة وجشم‏.‏ وبنو قرة كانت منازلهم ببرقة وكانت رياستهم أيام الحاكم العبيدي لما مضى ابن مقرب ولما بايعوا لأبي ركوة من بني أمية بالأندلس وقتله الحاكم سلط عليهم العرب والجيوش فأفنوهم‏.‏ وانتقل جلهم إلى المغرب الأقصى فهم مع جشم هنالك كما يأتي ذكره ويأتي الكلام في نسب هلال وشعوبهم ومواطنهم بالمغرب الأوسط وأفريقية عند الكلام عليهم في الطبقة الرابعة‏.‏ وأما بنو ربيعة بن عامر فبطون كثيرة وعامتها ترجع إلى ثلاثة من بنيه وهم عامر وكلاب وكعب وبلادهم بأرض نجد الموالية لتهامة بالمدينة وأرض الشام‏.‏ ثم دخلوا إلى الشام وافترق منهم على ممالك الإسلام فلم يبق منهم بنجد أحد‏.‏ فمن عامر بن ربيعة بنو التكما وهو ربيعة بن عامر بن ربيعة الذي اشترك ابنه حندج مع خالد بن جعفر بن كلاب في قتل زهير بن جذيمة العبسي وبنو ذي السهمين معاوية بن عامر بن ربيعة وهو ذو الحجر عوف بن عامر بن ربيعة وبنو فارس الضحيا عمرو بن عامر بن ربيعة منهما خداش بن زهير بن عمرو من فرسان الجاهلية وشعرائها وأما بنو كلاب بن ربيعة فمنهم بنو الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب وبنو ربيعة المجنون بن عبد الله بن أبي بكر بن كلاب وبنو عمرو بن كلاب‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ يقال إن منهم بني صالح بن مرداس أمراء حلب‏.‏ ومن بني كلاب بنو رواس واسمه الحرث بن كلاب وبنو الضباب واسمه معاوية بن كلاب الذين منهم شهر بن ذي الجوش بن الأعور بن معاوية قاتل الحسين بن علي‏.‏ ومن عقبه كان الصهيل بن حاتم بن شمر وزير عبد الرحمن بن يوسف الفهري بالأندلس‏.‏ وبنو جعفر بن كلاب الذين منهم عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر وعمه أبو عامر بن مالك ملاعب الأسنة وربيعة بن مالك وتبع المعتبرين وأبوه لبيد بن ربيعة شاعر معروف مشهور‏.‏ وكانت بلاد بني كلاب حمى ضرية والربذة في جهات المدينة وفدك والعوالي‏.‏ وحمى ضرية هي حمى كليب وائل نباته النضر تسمن عليه الخيل والإبل‏.‏ وحمى الربذة هو الذي أخرج عليه عثمان أبا ذر رضي الله عنهما‏.‏ ثم انتقل بنو كلاب إلى الشام فكان لهم في الجزيرة الفراتية صيت وملك وملكوا حلب وكثيراً من مدن الشام‏.‏ تولى ذلك منهم بنو صالح بن مرادس ثم ضعفوا فهم الآن تحت خفارة العرب المشهورين بالشام وهنالك بالإمارة من طيء‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ وكان لهم في الإسلام دولة باليمامة‏.‏ ومن بني كعب بن ربيعة بطون كثيرة منهم الحريش بن كعب بطن كان منهم مطرف بن عبد الله بن الشخير بن عوف بن وقدان بن الحريش الصحابي المشهور‏.‏ ويقال‏:‏ إن منهم ليلى التي شبب بها قيس بن عبد الله بن عمرو بن عدس بن ربيعة بن جعدة الشاعر مادح النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن الحشرج بن الأشهب بن ورد بن عمرو بن ربيعة بن جعدة الذي غلب على ناب فارس أيام الزبير وعم أمه زياد بن الأشهب الذي وفد على علي ليصلح بينه وبين معاوية ومالك بن عبد الله بن جعدة الذي أجار قيس بن زهير العبسي‏.‏ وبنو قشير بن كعب منهم مرة بن هبيرة بن عامر بن مسلمة الخير بن قشير وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فولاه صدقات قومه‏.‏ وكلثوم بن عياض بن رصوح بن الأعور بن قشير الذي ولي أفريقية وابن أخيه بلخ بن بشر‏.‏ ومن بني قشير بخراسان أعيان‏.‏ منهم أبو القاسم القشيري صاحب الرسالة ومنهم عريسة الأندلس بنو رشيق ملكها منهم عبد الرحمن بن رشيق وأخرج منها ابن عمارة‏.‏ ومنهم الصمة بن عبد الله من شعراء الحماسة وبنو العجلان بن عبد الله بن كعب وشاعرهم تميم بن مقبل‏.‏ وبنو عقيل بن كعب وهم بطون كثيرة منهم بنو المنتفق بن عامر بن عقيل‏.‏ ومن أعقاب بني المنتفق هؤلاء العرب المعروفون في الغرب بالخلط‏.‏ قال علي بن عبد العزيز الجرجاني‏:‏ الخلط بنو عوف وبنو معاوية ابنا المنتفق بن عامر بن عقيل انتهى‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ ومنازل المنتفق الآجام التي بين البصرة والكوفة والإمارة منهم في بني معروف‏.‏ قلت والخلط لهذا العهد في أعداد جشم بالمغرب ومن بني عقيل بن كعب بنو عبادة بن عقيل منهم الأخيل واسمه كعب بن الرحال بن معاوية بن عبادة ومن عقبه ليلى الأخيلة بنت حذيفة بن سداد بن الأخيل‏.‏ وذكر ابن قتيبة أن قيس بن الملوح المجنون منهم وبنو عباد هؤلاء لهذا العهد فيما قال ابن سعيد بالجزيرة الفراتية فيما يلي العراق‏.‏ ولهم عدد وذكر وغلب منهم على الموصل وحلب في أواسط المائة الخامسة قريش بن بدران بن مقلد فملكها هو وابنه مسلم بن قريش من بعده ويسمى شرف الدولة‏.‏ وتوالى الملك في عقب مسلم بن قريش منهم إلى أن انقرضوا‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ ومنهم لهذا العهد بقية بين الحازر والزاب يقال لهم عرب شرف الدولة‏.‏ ولهم إحسان من صاحب الموصل وهم في تجمل وعز إلا أن عددهم قليل نحو مائة فارس‏.‏ ومن بني عقيل بن كعب خفاجة بن عمرو بن عقيل وانتقلوا في قرب من هذه العصور إلى العراق والجزيرة ولهم ببادية العراق دولة‏.‏ ومن بني عامر بن عقيل بن عامر بن عوف بن مالك بن عوف وهم إخوة بني المنتفق وهم ساكنون بجهات البصرة وقد ملكوا البحرين بعد بني أبي الحسن ملكوها من تغلب‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ وملكوا أرض اليمامة من بني كلاب وكان ملكهم لعهد الخمسين من المائة السابعة عصفور وبنوه وقد انقضى الكلام في بطون قيس عيلان‏.‏ والله المعين لا رب غيره ولا خير إلا خيره وهو نعم المولى ونعم النصير وهو حسبي ونعم الوكيل واسأله الستر الجميل آمين‏.‏ بطون خندف وأما بطون خندف بن الياس بن نصر‏:‏ ولد الياس مدركة وطابخة وقمعة وأمهم امرأة من قضاعة اسمها خندف فانتسب ولد الياس كلهم إليها‏.‏ فمن بطون قمعة أسلم وخزاعة‏.‏ فأسلم بنو أفصى بن عامر بن قمعة وخزاعة بن عمرو بن عامر بن لحي وهو ربيعة بن عامر بن قمعة واسمه حارثة‏.‏ وعمرو بن لحي هو أول من غير دين إسماعيل وعبد الأوثان وأمر العرب بعبادتها‏.‏ وفيه قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار يعني أحشاءه‏.‏ ومواطنهم بأنحاء مكة في مر الظهران وما يليه وكانوا حلفاء لقريش‏.‏ ودخلوا عام الحديبية في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فغزا قريشاً وغلبهم على أمرهم وافتتح مكة وكان عام الفتح‏.‏ وقد يقال‏:‏ إن خزاعة هؤلاء من غسان وأنهم بنو حارثة بن عمرو مزيقيا وأنهم أقاموا بمر الظهران حين سارت غسان إلى الشام وتخزعوا عنهم فسموا خزاعة وليس ذلك بصحيح كما ذكر‏.‏ وكانت لخزاعة ولاية البيت قبل قريش في بني كعب بن عمرو بن لحي وانتهت إلى حليل بن حبشية بن سلول وهو الذي أوصى بها لقصي بن كلاب حين زوجه ابنته حبى بنت حليل‏.‏ ويقال‏:‏ إن أبا غبشان بن حليل واسمه المحترش باع الكعبة من قصي بزق خمر وفيه جرى المثل المعروف‏.‏ يقال‏:‏ أخسر صفقة من أبي غبشان‏.‏ ومن ولد حليل بن حبشية كان كرز بن علقمة بن هلال بن حريبة بن عبد فهم بن حليل الذي قفا أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى الغار ورأى عليه نسج العنكبوت وعش اليمامة ببيضها فرخوا عنه‏.‏ ولخزاعة هؤلاء بطون كثيرة‏:‏ منهم بنو المصطلق بن سعد بن عمرو بن لحي وبنو كعب بن عمرو‏.‏ ومنهم عمران بن الحصين صحابي وسليمان بن صرد أمير التوابين القائمين بثار الحسين ومالك بن الهيثم من نقباء بني العباس وبنو عدي بن عمرو‏.‏ ومنهم جويوية بنت الحارث أم المؤمنين وبنو مليح بن عمرو‏.‏ ومنهم طلحة الطلحات وكثير الشاعر صاحب عزه وهو ابن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر بن عويمر بن مخلد بن سبيع بن خثعمة بن سعد بن مليح‏.‏ وبنو عوف بن عمرو ومنهم العباد أهل الحيرة وهم بنو جهينة بن عوف‏.‏ ومن إخوة خزاعة بنو أسلم بن أفصى بن عامر بن قمعة وبنو مالك بن أفصى وماثان بن أفصى‏.‏ فمن أسلم سلمة بن الأكوع الصحابي ودعبل وبنو الشيص الشاعران ومحمد بن الأشعث قائد بني العباس‏.‏ ومنهم مالك بن سليمان بن كثير من دعاة بني العباس قتله أبو مسلم‏.‏ وأما طابخة فلهم بطون كثيرة أشهرها ضبة والرباب ومزينة وتميم وبطون صغار إخوة لتميم منهم صوفة ومحارب‏.‏ فأما بنو تميم بن مر فهم بنو تميم بن مر بن أد بن طابخة‏.‏ وكانت منازلهم بأرض نجد دائرة من هنالك على البصرة واليمامة وانتشرت إلى العذيب من أرض الكوفة وقد تفرقوا لهذا العهد في الحواضر ولم تبق منهم باقية‏.‏ وورث منازلهم الحيان العظيمان بالمشرق لهذا العهد غزية من طيء وخفاجة من بني عقيل بن كعب‏.‏ ولميم بطون كثيرة منهم الحارث بن تميم وفيهم ينسب المسيب بن شريك الفقيه وهم قليل‏.‏ وبنو العنبر الني بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقات وزفر الفقيه بن ذهيل بن قيس بن مسلم بن قيس بن مكمل بن ذهل بن ذويب بن جذيمة بن عمرو بن جيجور بن جندب بن العنبر صاحب أبي حنيفة والناسك الفاضل عامر بن عبد قيس بن ثابت بن بشامة بن حذيفة بن معاوية بن الجون بن كعب بن جندب وربيعة بن رفيع بن سلمة بن محلم بن صلاة بن عبدة بن عدي بن جندب‏.‏ وبنو الهجيج بن عمرو بن تميم وبنو أسيد بن عمير‏.‏ وكان منهم أبو هالة هند بن زرارة بن النباش بن عدي بن نمير بن أسيد الصحابي المشهور‏.‏ وحنضلة بن الربيع بن صيفي بن رياح بن الحرث بن مخاشن بن معاوية بن شريف بن جروة بن أسيد كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم والحليم المشهور أكثم بن صيفي بن رياح ويحيى بن أكثم قاضي المأمون من ولد صيفي بن رياح‏.‏ وبنو مالك بن عمرو بن تميم منهم النضر بن شميل بن خرشة بن يزيد بن كلثوم بن عبدة بن زهير بن عروة بن جميل بن حجر بن خزاعي بن مازن بن مالك النحوي المحدث‏.‏ وسلم بن أخوز بن أربد بن مخزر بن لاي بن مهل بن ضباب بن حجبة بن كابية بن حرقوص بن مازن بن مالك صاحب الشرطة لنصر بن سيار وقاتل يحيى بن زيد بن زين العابدين وإخوة هلال بن أخوز قاقل آل المهلب وقطري بن الفجاءة‏.‏ واسم الفجاءة جعونة بن يزيد بن زياد بن جنز بن كابية بن حرقوص الخارجي الأزرقي سلم عليه بالخلافة عشرين سنة‏.‏ ومالك بن الريب بن جوط بن قرط بن حسيل بن ربيعة بن كنانة بن حرقوص صاحب القصيدة المشهورة نعى بها نفسه وبعث بها إلى قومه وهو في خراسان في دعاني الهوى من أهل ودي ورفقتي بذي الشيطين فالتفت ورائيا يقولون لا تبعد وهم يدفنونني وأين مكان البعد إلا مكانيا وبنو عمرو بن العلاء بن عمار بن عدنان بن عبيد الله بن الحصى بن الحرث بن جلهم بن خزاعي بن مازن بن مالك‏.‏ وبنو الحرث بن عمرو بن تميم وهم الحبطات‏.‏ منهم عباد بن الحصين بن يزيد بن أوس بن سيف بن عدم بن جبلدة بن قيار بن سعد بن الحرث وهو الملقب بالحبط لعظم بطنه‏.‏ وبنو امرىء القيس بن زيد مناة بن تميم وكان منهم زيد بن عد بن زيد بن أيوب بن مخوف بن عامر بن عطية بن امرىء القيس صاحب النعمان بن المنذر بالحيرة الذي سعى به إلى كسرى حتى قتله‏.‏ ومقاتل بن حسان بن ثعلبة بن أوس بن إبراهيم بن أيوب بن مخوف صاحب قصر بني مقاتل بن منصور بالحيرة‏.‏ ولاهز بن قريط بن سري بن الكاهن بن زيد بن عصية من دعاة بني العباس الذي قتله أبو مسلم لنذارته لنصر بن سيار‏.‏ وبنو سعد بن زيد مناة بن تميم منهم الأبناء كان منهم رؤبة بن العجاج بن رؤبة بن لبيد بن صخر بن كنيف بن عمير بن حي بن ربيعة بن سعد بن مالك بن سعد‏.‏ وعبدة بن الطيب الشاعر وبنو منقر بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة‏.‏ كان منهم قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقات قومه وكان من ولده مية صاحبة ذي الرمة بنت مقاتل بن طلبة بن قيس بن عاصم‏.‏ ومن بني منقر عمرو بن الأهتم صحابي وبنو مرة بن عبيد بن مقاعس‏.‏ منهم الأحنف بن قيس بن معاوية بن حصين بن حفص بن عبادة بن النزال بن مرة وأبو بكر الأبهري المالكي وهو محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح بن عمرو بن حفص بن عمرو بن مصعب بن الزبير بن سعد بن كعب بن عبادة بن النزال‏.‏ وبنو صريم بن مقاعس منهم عبد الله بن أباض رئيس الأباضية من الخوارج‏.‏ وعبد الله بن صفار رئيس الصفرية‏.‏ والبرك بن عبد الله الذي اشترط بقتل معاوية وضربه فجرحه‏.‏ وبنو عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة منهم ثم من بني بهدلة بن عوف الزبرقان واسمه الحصين بن بدر بن امرىء القيس بن خلف بن بهدلة وأويس ابن أخيه حنظلة الذي أسر هوذة بن علي الحنفي‏.‏ ومن بني عطارد بن عوف كرب بن صفوان بن شحمة بن عطارد الذي كان يجيز بأهل الموسم في الجاهلية‏.‏ ومن بني قريع بن عوف بن كعب جعفر الملقب أنف الناقة وكان ولده يغضبون منها إلى أن مدحهم الحطيئة بقوله‏:‏ قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ومن يسوي بأنف الناقة الناقة الذنبا وبنو الحرث الأعرج بن كعب بن سعد بن زيد مناة كان منهم زهرة بن جؤية بن عبد الله بن قتادة بن مرثد بن معاوية بن قطن بن مالك بن أرتم بن جشم بن الحرث الذي أبلى في القادسية وقتل الجالنوس أمير الفرس وقتله هو بعد ذلك أصحاب شبيب الخارجي مع عتاب بن ورقاء‏.‏ وبنو مالك بن سعد بن زيد مناة كان منهم الأغلب بن سالم بن عقال بن خفافة بن عبادة بن عبد الله بن محرث بن سعد بن حرام بن سعد بن مالك أبو الولاة بافريقية لبني العباس‏.‏ وبنو ربيعة بن مالك بن زيد مناة كان منهم عروة بن جرير بن عامر بن عبد بن كعب بن ربيعة أول خارجي قال‏:‏ لا حكم إلا لله يوم صفين‏.‏ ويعرف بأن أباه نسبه إلى أمه‏.‏ ومن بني حنظلة بن مالك البراجم وهم بنو عمرو‏.‏ والظلم وغالب وكلبة وقيس كلهم بنو حنظلة‏.‏ كان منهم ضابىء بن الحرث بن أرطأة بن شهاب بن عبيد بن جندال بن قيس‏.‏ وابن عمير بن ضابىء الذي قتله الحجاج‏.‏ وبنو ثعلبة بن يربوع بن حنظلة وبنو الحرث بن يربوع منهم الزبير بن الماحور أمير الخوارج وأخوه عثمان وعلي وهم بنو بشير بن يزيد الملقب بالماحور بن الحارث بن ساحق بن الحرث بن سليط بن يربوع وكلهم أمراء الأزارقة‏.‏ وبنو كليب بن يربوع كان منهم جرير الشاعر ابن عطية بن الخطفي وهو حذيفة بن بدر بن سلم بن عوف بن كليب‏.‏ وبنو العنبر بن يربوع منهم كانت سجاح المتنبئة بنت أويس بن جوين بن سامة بن عنبر‏.‏ وبنو رياح كان منهم شبث بن ربعي بن حصين بن عميم بن ربيعة بن زيد بن رياح‏.‏ كان منهم رياح أسلم ثم سار مع الخوارج ثم رجع عنهم تائباً‏.‏ ومعقل بن قيس أوفده عمار بن ياسر على أيام عمر بفتح تستر‏.‏ وعتاب بن ورقاء بن الحارث بن عمرو بن همام بن رياح أمير أصبهان وقتله شبيب الخارجي‏.‏ وبنو طهية بن مالك وهم بنو أبي سود وعوف ابني مالك‏.‏ وبنو دارم بن مالك بن حنظلة كان منهم ثم من بني نهشل بن دارم بن حازم بن خزيمة بن عبد الله بن حنظلة نضلة بن حدثان بن مطلق بن أصحر بن نهشل صاحب الشرطة لبني العباس‏.‏ ومن بني مجاشع بن دارم الأقرع بن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع والفرزدق بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال والحتات بن يزيد بن علقمة الذي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين معاوية بن أبي سفيان‏.‏ ومن بني عبد الله بن دارم المنذر بن ساوى بن عبد الله بن زيد بن عبد مناة بن دارم صاحب هجر‏.‏ ومن بني غرس بن زيد بن دارم حاجب بن زرارة غرس وابنه عطارد وبنوهم‏.‏ كان فيهم رؤساء وأمراء وانقضى الكلام في تميم‏.‏ وأما بنو مزينة وهم بنو مر بن أد بن طابخة بن الياس واسم ولده عثمان وأوس وأمهما مزينة فسمي جميع ولدهما بها‏.‏ فكان منهم زهير بن‏.‏ أبي سلمى وهو ربيعة ابن أبي رياح بن قرة بن الحرث بن مازن بن خلاوة بن ثعلبة بن ثور بن هرمة بن لاظم بن عثمان أحد الشعراء الستة‏.‏ وابناه بجبر وكعب الذي مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ والنعمان بن مقرن بن عامر بن صبح بن هجيم بن نصر بن حبشية بن كعب بن عفراء بن ثور بن هرمة‏.‏ وأخوه سويد الذي قتل يوم نهاوند‏.‏ ومعقل بن يسار بن عبد الله بن معير بن حراق بن لأبي بن كعب بن عبد ثور الصحابي المشهور‏.‏ وأما الرباب وهم بنو عبد مناة بن أد بن طابخة فمن بنيه تميم وعدي وعوف وثور وسموا الرباب لأنهم غمسوا في الرب أيديهم في حلف على بني ضبة‏.‏ وبلادهم جوار بني تميم بالدهنا وفي أشعارهم ذكر حزوى وعالج من معالهما وتفرقوا لهذا العهد ولم يبق منهم أحد هنالك‏.‏ وكان من بني تميم بن عبد مناة المستورد بن علقمة بن الفريس بن صبارى بن نشبة بن ربيع بن عمرو بن عبد الله بن لؤي بن عمرو بن الحرث بن تميم الخارجي قتله معقل بن قيس الرياحي في إمارة المغيرة بن شعبة‏.‏ وابن باخمة ورد بن مجالد بن علقمة حضر مع عبد الرحمن بن ملجم في قتل علي وقتل قطام بنت بحنة بن عدي بن عامر بن عوف بن ثعلبة بن سعد بن ذهل بن تميم التي تزوجها عبد الرحمن بن ملجم ومهرها قتل علي فيما قيل حيث يقول‏:‏ ثلاثة آلاف وعبد وقينة وضرب علي بالحسام المصمم وكانت خارجية وقتل أبوها شحمة وعمها الأخضر يوم النهروان‏.‏ ومن بني عدي بن عبد مناة ذي الرمة الشاعر‏.‏ وهو غيلان بن عقبة بن بهس بن مسعود بن حارثة بن عمرو بن ربيعة بن ساعدة بن كعب بن عوف بن ثعلبة بن ربيعة بن ملكان بن عدي‏.‏ ومن بني ثور بن عبد مناة ويسمى أطمل سفيان الثوري وهو سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبد الله بن منقر بن نصر بن الحارث بن ثعلبة بن عامر بن ملكان بن ثور وأخواه عمرو والمبارك والربيع بن خثيم الفقيه‏.‏ وأما ضبة مهم بنو ضبة بن أد وكانت ديارهم جوار بني تميم اخوتهم بالناحية الشمالية التهامية من نجد ثم انتقلوا في الإسلام إلى العراق بجهة النعمانية وبها قتلوا المثنى الشاعر‏.‏ فمنهم ضرار بن عمرو بن مالك بن زيد بن كعب بن بجالة بن ذهل بن مالك بن بكر بن أسعد بن ضبة سيد بني ضبة في الجاهلية‏.‏ وبقيت سيادتهم في بنيه‏.‏ وكان له ثمانية عشر ولدأ ذكراً شهدوا معه يوم القريتين وابنه حصين كان مع عائشة يوم الجمل‏.‏ ومن ولده القاضي أبو شبرمة عبد الله بن شبرمة بن الطفيل بن حسان بن المنذر بن ضرار بن عنبسة بن إسحق بن شمر بن عبس بن عنبسة بن شعبة بن المختبر بن عامر بن العباب بن حسل بن بجالة المذكور في قواد بني العباس ولي مصر أيام المتوكل‏.‏ ويقال إن الديلم من بني باسل بن ضبة بن أد والله أعلم‏.‏ وأما صوفة‏:‏ فهم بنو الغوث بن مر بن أد كانوا يجيزون بالحاج في الموسم لا يجوز أحد حتى يجوزوا ثم انقرضوا عن آخرهم في الجاهلية‏.‏ وورث ذلك آل صفوان بن شحمة من بني سعد بن زيد مناة بن تميم وقد مر ذكر ذلك وانقضى بنو طابخة بن الياس‏.‏ وأما مدركة بن الياس‏:‏ فهم بطون كثيرة أعظمها هذيل والقارة وأسد وكنانة وقريش‏.‏ فأما هذيل فهم بنو هذيل بن مدركة وديارهم بالسروات وسراتهم متصلة بجبل غزوان المتصل بالطاثف‏.‏ ولهم أماكن ومياه في أسفلها من جهات نجد وتهامة بين مكة والمدينة ومنها الرجيع وبئر معونة وهم بطنان سعد بن هذيل ولحيان بن هذيل‏.‏ فمن بني سعد بن هذيل أبو بكر الشاعر والحطيئة فيما يقال وعبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ فار بن مخزوم بن صاهلة بن الحارث بن تميم بن سعد الصحابي المشهور وأخواه عتبة وعميس وبنوه عبد الرحمن وعتبة والمسعودي المؤرخ ابن عتبة وهو علي بن الحسين بن علي بن عبد الله بن زيد بن عتبة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود‏.‏ ومن عتبة أخوه عتبة بن عبد الله بن زيد بن عتبة فقيه المدينة وقد افترقوا في الإسلام على الممالك ولم يبق لهم حي يطرف‏.‏ وبأفريقية منهم قبيلة بنواحي باجة يعسكرون مع جند السلطان ويؤدون المغرم‏.‏ وأما بنو أسد فمنهم بنو أسد بن خزيمة بن مدركة بطن كبير متسع ذو بطون وبلادهم فيما يلي الكرخ من أرض نجد وفي مجاورة طيء‏.‏ ويقال‏:‏ إن بلاد طيء كانت لبني أسد‏.‏ فلما خرجوا من اليمن غلبوهم على أجا وسلمى وجاءوا واصطلحوا وتجاوروا لبني أسد والتغلبية وواقصة وغاضرة‏.‏ ولهم من المنازل المسماة في الأشعار غاضرة والنعف‏.‏ وقد تفرقوا من بلاد الحجاز على الأقطار ولم يبق لهم حي وبلادهم الآن في ذكر ابن سعيد لطيء وبني عقيل الأمراء كانوا بأرض العراق والجزيرة وكانوا في الدولة السلجوقية قد عظم أمرهم وملكوا الحلة وجهاتها وكان بها منهم الملوك بنو مرين الذي ألف الهباري بهم أرجوزته المعروفة به في السياسة‏.‏ ثم اضمحل ملكهم بعد ذلك وورث بلادهم بالعراق خفاجة‏.‏

وكانت بنو أسد بطوناً كثيرة كان منها بنو كاهل قاتل حجر بن عمرو الملك والد امرىء القيس وبنو غنم بن دودان بن أسد‏:‏ منهم عبيد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غنم الذي أسلم ثم تنصر ومات نصرانياً وأخته زينب أم المؤمنين رضي الله عنها‏.‏ وعكاشة بن محصن بن حدثان بن قيس بن مرة بن كثير الصحابي المشهور‏.‏ وبنو ثعلبة بن دودان بن أسد منهم الكميت الشاعر ابن زيد بن الأخنس بن ربيعة بن امرىء القيس بن الحرث بن عمرو بن مالك بن سعد بن ثعلبة وضرار بن الأزور وهو مالك بن أويس بن خزيمة بن ربيعة بن مالك بن ثعلبة الصحابي قاتل مالك بن نويرة والحضرمي بن عامر بن مجمع بن موالة بن همام وبنو عمرو بن قعيد بن الحارث بن ثعلبة بن دودان‏:‏ منهم الطماح بن قيس بن طريف بن عمرو بن قعيد الذي سعى عند قيصر في هلاك امرىء القيس وطليحة بن خويلد بن نوفل بن نضلة بن الأشتر بن جحوان بن فقعس بن طريف بن عمرو الذي كان كاهناً وادعى النبوة ثم أسلم‏.‏ وفي بني أسد بطون يطول ذكرها‏.‏ وأما القارة وعكل فهم بنو الهون بن خزيمة بن مدركة بن الياس إخوة بني أسد وكانوا حلفاء لبني زهرة من قريش‏.‏ وأما كنانة فهم كنانة بن خزيمة بن مدركة إخوة بني أسد وديارهم بجهات مكة وفيهم بطون كثيرة وأشرفها قريش وهم بنو النضر بن كنانة وسيأتي ذكرهم‏.‏ ثم بنو عبد مناة بن كنانة وبنو مالك بن كنانة‏.‏ فمن بني عبد مناة بنو بكر وبنو مرة وبنو الحارث وبنو عامر‏.‏ فمن بني بكر بنو ليث بن بكر منهم بنو الملوح بن يعمر وهو الشداخ بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث‏.‏ ومنهم الصعب بن جثامة بن قيس بن الشداخ الصحابي المشهور والشاعر عروة بن أدينة بن يحيى بن مالك بن الحرث بن عبد الله بن الشداخ‏.‏ ومنهم بنو شجع بن عامر بن ليث بن بكر ومنهم أبو واقد الليثي الصحابي وهو الحرث بن عوف بن أسيد بن جابر بن عديدة بن عبد مناه بن شجع وبنو سعد بن ليث بن بكر منهم أبو الطفيل عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو بن جابر بن خميس بن عدي بن سعد آخر من بقي ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ مات سنة سبع ومائة‏.‏ وواثلة بن الأسقع بن عبد العزى بن عبد يا ليل بن ناشب بن عبدة بن سعد الصحابي المشهور‏.‏ وبنو جذع بن بكر بن ليث بن بكر‏:‏ منهم أمير خراسان نصر بن سيار بن رافع بن عدي بن ربيعة بن عامر بن عوف بن جندع‏.‏ ورافع بن الليث بن نصر القائم بسمرقند أيام الرشيد بدعوة بني أمية‏.‏ ثم استأمن إلى المأمون‏.‏ ومن بني عبد مناف بنو عريج بن بكر بن عبد مناف وبنو الديل بن بكر‏:‏ منهم الأسود بن رزق بن يعمر بن نافثة بن عدي بن الديل الذي كان بسببه فتح مكة‏.‏ وسارية بن زنيم بن عمرو بن عبد الله بن جابر بن محية بن عبد بن عدي بن الديل الذي ناداه عمر فيما اشتهر من المدينة وهو بالعراق يقاتل‏.‏ وأبو الأسود واضع النحو وهو ظالم بن عمرو بن سفيان بن عمرو بن جندب بن يعمر بن حليس بن نافثة بن علي‏.‏ وبنو ضمرة بن بكر‏:‏ منهم عامرة بن مخشى بن خويلد بن عبد بن نهم بن يعمر بن عوف بن جري بن ضمرة الذي وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه‏.‏ وعمرو بن أمية بن خويلد بن عبد الله بن إياس بن عبيد بن ناشرة بن كعب بن جري الصحابي والبراض بن قيس بن رافع بن قيس بن جري الفاتك قاتل عروة الرحال بن عتبة بن جعفر بن كلاب وكان بسببها حرب الفجار‏.‏ ومن ضمرة غفار بن مليل بن ضمرة بطن كان منهم أبو ذر الغفاري الصحابي وهو جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار وصاحبه كثير الشاعر الذي تشبب بعزة بنت جميل بن حفص بن إياس بن عبد العزى بن حاجب غافر بن غفار‏.‏ ومنهم كلثوم بن الحصين بن خالد بن معيسير بن بدر بن خميس بن غفار‏.‏ واستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة في غزوة الفتح‏.‏ وبنو مدلج بن مرة بن عبد مناة‏:‏ منهم شراقة بن مالك بن جعشم بن مالك بن عمرو بن مالك بن تميم بن مدلج الذي اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم بجعالة قريش ليرده فظهرت فيه الآية وصرفه الله تعالى عنه‏.‏ ومجزز المدلجي الذي سر النبي صلى الله عليه وسلم يقيافته في أسامة وزيد وهو مجزز بن الأعور بن جعد بن معاذ بن عتوارة بن عمرو بن مدلج‏.‏ وبنو عامر بن عبد مناة منهم بنو مساحق بن الأفرم بن جذيمة بن عامر الذين قتلهم خالد بن الوليد بالغميصا ووداهم النبي صلى الله عليه وسلم وأنكر فعل خالد‏.‏ وبنو الحارث بن عبد مناة منهم الحليس بن علقمة بن عمرو بن الأوقح بن عامر بن جذيمة بن عوف بن الحرث الذي عقد حلف الأحابيش مع قريش وأخوه تيم الذي عقد حلف القارة معهم‏.‏ وبنو فراس بن مالك بن كنانة‏:‏ منهم فارس العرب ربيعة بن المكدم بن عامر بن خويلد بن جذيمة بن علقمة بن جذل الطعان بن فارس‏.‏ وبنو عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة‏:‏ منهم نسأة المشهور في الجاهلية‏.‏ قام الإسلام فيهم على جنادة بن أمية بن عوف بن قلع بن جذيمة بن فقيم بن علي بن عامر‏.‏ وكل من صارت إليه هذه المرتبة كان يسمى القلمس وأول من نسأ الشهور سمير بن ثعلبة بن الحارث وكان منهم الرماحس بن عبد العزيز بن الرماحس بن الرسارس بن واقد بن وهب بن هاجر بن عز بن وائلة بن الفاكه بن عمرو بن الحرث ولاه عبد الرحمن الداخل حين جاء إلى الأندلس على الجزيرة وشذونة وامتنع بها ثم زحف إليه ففر إلى العدوة وبها مات‏.‏ وكان له بالأندلس عقب ولهم في الدولة الأموية ذكر وولايات‏.‏ كان منها على الأساطيل فكان لهم فيها غناء‏.‏ وكانوا يغزون سواحل العبيديين بأفريقية فتعظم نكايتهم فيها‏.‏ وهو وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين لا رب غيره ولا خير إلا خيره ولا يرجى إلا إياه ولا معبود سواه وهو نعم المولى ونعم النصير وأسأله الستر الجميل ولا حولا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم‏.‏ صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين‏.‏ والحمد لله رب العالمين حمداً كثيرأ والله ولي التوفيق‏.‏ قريش وأما قريش وهم ولد النضر بن كنانة بن فهر بن مالك بن النضر والنضر هو الذي يسمى قريشاً‏.‏ قيل للتقرش وهو التجارة وقيل تصغير قرش وهو الحوت الكبير المفترس دواب البحر‏.‏ وأنما انتسبوا إلى فهر لأن عقب النضر منحصر فيه لم يعقب من بني النضر غيره‏.‏ فهذا وجه القول بأن قريشأ من بني فهر بن مالك أعني انحصار نسبهم فيه‏.‏ وأما الذي اسمه قريش فهو النضر فولد فهر غالب والحارث ومحارب فبنو محارب بن فهر من قريش الظواهر منهم الضحاك بن قيس بن خالد بن وهب بن ثعلبة بن واثلة بن عمرو بن شيبان بن محارب صاحب مرج واهط قاتل فيه مروان بن الحكم حين بويع له بالخلافة وقتل‏.‏ وضرار بن الخطاب بن مرداس بن كثير بن عمرو آكل السقف بن حبيب بن عمرو بن شيبان الفارس المشهور في الصحابة وأبوه الخطاب بن مرداس سيد الظواهر في الجاهلية وكان يأخذ المرباع منهم وحضر حروب الفجار وابنه من فرسان الإسلام وشعرائه‏.‏ وعبد الملك بن قطي بن نهشل بن عمرو بن عبد الله بن وهب بن سعد بن عمرو آكل السقف‏.‏ شهد يوم الحرة وعاش حتى ولي الأندلس وصلبه أصحاب بلخ بن بشر القشيري‏.‏ وكرز بن جابر بن حسل بن لاحب بن حبيب بن عمرو بن شيبان قتل يوم الفتح وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وسار بنو الحرث بن فهر من الظواهر‏.‏ منهم أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن وهب بن ضبة بن الحرث من العشيرة وأمير المسلمين بالشام عند الفتح‏.‏ وعقبة بن نافع بن عبد قيس بن لقيط بن عامر بن أمية بن ضرب بن الحرث فاتح أفريقية ومؤسس القيروان بها‏.‏ ومن عقبه عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة والي أفريقية أبوه حبيب بن عقبة هو قاتل عبد العزيز بن موسى بن نصير‏.‏ ويوسف بن عبد الرحمن بن أبي عبيدة صاحب الأندلس وعليه دخل عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك فقتله ووليها هو وبنوه من بعده‏.‏ وأما غالب بن فهر‏:‏ وهو في عمود النسب الكريم فولد تيم الأدرم وولدين فبنو تيم الأدرم من الظواهر وهم بادية كان منهم ابن خطل الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله يوم الفتح فقتل وهو متعلق باستار الكعبة‏.‏ وهو هلال بن عبد الله بن عبد مناة بن أسعد بن جابر ابن كبير بن تيم الأدرم‏.‏ وأما لؤي بن غالب‏:‏ في عمود النسب الكريم فولد كعباً وعامراً وبطوناً أخرى يختلف في نسبها إلى لؤي خزيمة وسامة وسعد وجشم وهو الحارث وعوف وهم من قريش الظواهر على أقل فمنهم خزيمة بن لؤي وبنو سامة بن لؤي‏.‏ ويقال ليس بنو سامة من قريش وهم بعمان‏.‏ ويقال‏:‏ إن منهم بني سامان ملوك ما وراء النهر‏.‏ فأمما بنو عامر بن لؤي فهم شقير حسل بن عامر ومعيص بن عامر فمن بني معيص بشر بن أرطأة وهو عويمر ضمران بن الحليس بن يسار بن نزار بن معيص بن عامر وهو أحد قواد معاوية ومكرز بن حفص بن الأحنف بن علقمة بن عبد الحارث بن منقذ بن عمرو بن معيص من سادات قريش الذي أجار أبا جندل بن سهيل فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وهو عمرو بن قيس بن زايدة بن جندب الأصم ابن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد معيص وهو ابن خال خديجة وأمه أم كلثوم عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة بن عامر بن مخزوم‏.‏ ومن بني حسل‏:‏ عامر بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث بن حبيب بن خزيمة بن مالك بن حسل بن عامر أمير المسلمين في فتح إفريقية أيام عثمان وولي مصر وكان كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى مكة ثم جاء تائباً وحسنت حاله وقصته معروفة‏.‏ وحويطب بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل له صحبة‏.‏ وعبد عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك صاحب الحديبية وأخوه السكران وابنه أبو جندل سهيل واسمه العاصي وهو الذي جاء في قيوده يوم صلح الحديبية إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرده وقصته معروفة‏.‏ وزمعة بن قيس بن عبد شمس وابنه عبد بن زمعة وبنته سودة بنت زمعة أم المؤمنين وكانت زوجة السكران ابن عمها ثم تزوجها بعده رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وأما كعب بن لوي وهو في عمود النسب الكريم فولده مرة وهصيص وعدي وهم قريش البطاح أي بطائح مكة‏.‏ فمن ابن كعب هصيص بن كعب بن لؤي بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب منهم العاصي بن وائل بن هشام بن سعيد بن سهم وابناه عمرو وهشام ابنا العاصي‏.‏ وعبد الرحمن بن معيص بن أبي وداعة وهو الحارث بن سعيد بن سعد بن سهم قارىء أهل مكة واسماعيل بن جامع بن عبد المطلب بن أبي وداعة مفتي مكة ونبيه ومنبه ابنا الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم قتلا يوم بدر كافرين والقيا في القليب‏.‏ وقتل يومئذ العاصي بن منبه‏.‏ وكان له ذو الفقار سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وعبد الله بن الزبعرى بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم كان يؤذي بشعره ثم أسلم وحسن إسلامه‏.‏ وحذافة بن قيس أبو الأخنس وخنيس‏.‏ وكان خنيس على حفصة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن حذافة من مهاجرة الحبشة وهو الذي مضى بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى‏.‏ وبنو جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب‏.‏ كان منهم أمية بن خلف بن وهب بن حذافة قتل يوم بدر وأخوه أبي قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد بيده وابنه صفوان بن أمية أسلم يوم الفتح وابنه عبد الله بن صفوان قتل مع الزبير وعثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة وإخوته قدامة والسائب وعبد الله مهاجرون بدريون وبنو عدي بن كعب‏:‏ منهم زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي‏.‏ رفض الأوثان في الجاهلية والتزم الحنيفية ملة إبراهيم إلى أن قتل بقرية من قرى البلقاء قتله لخم أو جذام وابنه سعيد بن زيد أحد العشرة المشهود لهم بالجنة‏.‏ وعمر بن الخطاب أمير المؤمنين وابنه عبد الله وعاصم وعبيد الله وغيرهم وخارجة بن حذافة بن غانم بن عامر بن عبيد الله بن عويج بن عدي بن كعب الذي قتله الحروري بمصر يظنه عمرو بن العاصي‏.‏ وقال أردت عمراً وأراد الله خارجة فطارت مثلاً‏.‏ أبو الجهم بن حذيفة بن غانم صاحب النفل يوم حنينن ومطيع بن الأسود بن حارثة بن نضلة بن عوف بن عبيد بن عويج صحابي‏.‏ وابنه عبد الله بن مطيع كان على المهاجرين يوم الحرة قتل مع ابن الزبير مكة‏.‏ وأما مرة بن كعب‏:‏ وهو من عمود النسب الكريم فكان له من الولد كلاب وتيم ويقظة‏.‏ فأما تيم بن مرة فمنهم عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم يد قريش في الجاهلية وتنسب إليه الدار المشهورة يومئذ بمكة‏.‏ ومنهم أبو بكر الصديق اسمه عبد الله بن أبي قحافة وهو عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب وابناه عبد الرحمن ومحمد‏.‏ وطلحة بن عبد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب قتل يوم الجمل وابنه محمد السجاد وأعقابهم كثيرة‏.‏ وبنو يقظة بن مرة منهم بن مخزوم بن يقظة بن مرة‏.‏ فمنهم صيفي بن أبي رفاعة وهو أمية عائذ بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم قتل هو وأخوه ببدر كافراً والأرقم بن أبي الأرقم واسمه عبد مناف بن أبي جندب واسمه أسد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم صحابي بدري كان يجتمع بداره النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون سرا قبل أن يفشو الإسلام وأبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم من قدماء المهاجرين كان زوج أم سلمة قبل النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ والفاكه بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم واسمه أبو قيس قتل يوم بدر كافراً وأبو جهل بن هشام بن المغيرة واسمه عمرو قتل يومئذ كافراً وابنه عكرمة صحابي‏.‏ والحارث بن هشام بن المغيرة أسلم وحسن إسلامه وله عقب كثير مشهورون‏.‏ وأبو أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة قتل يوم بدر كافراً وبنته أم سلمة أم المؤمنين وهشام بن أبي حذيفة من مهاجرة الحبشة وعبد الله ابن أبي ربيعة وهو عمرو بن المغيرة من الصحابة من ولده الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المعروف بالقباع والوليد بن المغيرة مات بمكة كافراً وابنه خالد بن الوليد سيف الله صاحب الفتوحات الإسلامية‏.‏ وسعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم تابعي وأبوه المسيب من أهل بيعة الرضوان‏.‏ وأما كلاب بن مرة‏:‏ من عمود النسب الكريم فولد له قصي وزهرة فبنو زهرة بن كلاب منهم آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة أم النبي صلى الله عليه وسلم وابن أخيها عبد الله بن الأرقم ابن عبد يغوث بن وهب‏.‏ وسعد بن أبي وقاص واسمه مالك بن وهب بن عبد مناف أمير المسلمين في فتح العراق‏.‏ وهاشم ابن أخيه عتبة في الأمراء يومئذ وابنه عمر بن سعد الذي بعثه عبيد الله بن زياد لقتال الحسين وقتله المختار بن أبي عبيد وأخوه محمد بن سعد قتله الحجاج بن أبي الأشعث والمسور بن مخرمة بن نوفل بن وهب صحابي وأبوه من المؤلفة قلوبهم وعبد الله بن عوف بن عبد عوف بن الحرث بن زهرة وابنه سلمة وله عقب كثير‏.‏ وأما قصي بن كلاب من عمود النسب الكريم وهو الذي جمع أمر قريش وأثل مجدهم فولد له عبد مناف وعبد الدار وعبد العزى‏.‏ فبنو عبد الدار كان منهم النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار أسر يوم بدر مع المشركين‏.‏ ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ومر بالصفراء أمر به فضرب عنقه هنالك‏.‏ ومصعب بن عمرو بن هاشم بن عبد مناف صحابي بدري استشهد يوم أحد وكان صاحب اللواء‏.‏ ومن عقبه كان عامر بن وهب القائم بسرقسطة من الأندلس بدعوة أبي جعفر المنصور وقتله يوسف بن عبد الرحمن الفهري أمير الأندلس قبل عبد الرحمن الداخل‏.‏ ومنهم أبو السنابل بن بعكك بن السباق بن عبد الدار الذي دفع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح مفتاح الكعبة وقيل إنما دفعه إلى أخيه شيبة‏.‏ وصارت حجابة البيت إلى بني شيبة بن طلحة من يومئذ‏.‏ وبنو عبد العزى بن قصي منهم أبو البختري العاصي بن هاشم بن الحارث بن أسعد بن عبد العزى أراد التملك على قريش من قبل قيصر فمنعوه فرجع عنهم إلى الشام وسجن من وجد بها من قريش‏.‏ وكان في جملتهم أبو أحيحة سعيد بن العاصي فدست قريش إلى عمرو بن جفنة الغساني‏.‏ فسم عثمان بن الحويرث ومات بالشام‏.‏ وهبار بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى كان من عقبه عمر بن عبد العزيز بن المنذر بن الزبير بن عبد الرحمن بن هبار صاحب السند وليها في ابتداء الفتنة إثر قتل المتوكل وتداول أولاده ملكها إلى أن انقطع أمرهم على يد محمود بن سبكتكين صاحب غزنة وما دون النهر من خراسان وكانت قاعدتهم المنصورة‏.‏ وكان جده المنذر بن الربيع قد قام بقرقيسيا أيام السفاح فأسر وصلب‏.‏ واسماعيل بن هبار قتله مصعب بن عبد الرحمن غيلة وهبار كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ثم ابنه عوف أسلم فمدحه وحسن إسلامه‏.‏ وعبد الله بن زمعة بن الأسود له صحبة‏.‏ وتزوج زينب بنت أبي سلمة من أم سلمة أم المؤمنين وخديجة أم المؤمنين بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى والزبير بن العوام بن خويلد أحد العشرة وابناه عبد الله ومصعب وحكيم بن حزام بن خويلد عاش ستين سنة في الإسلام وباع داره الندوة من معاوية بمائة ألف وابنه هشام بن حكيم‏.‏ وأما عبد مناف وهو صاحب الشوكة في قريش وسنام الشرف وهو في عمود النسب الكريم فولد له عبد شمس وهاشم والمطلب ونوفل‏.‏ وكان بنو هاشم وبنو عبد شمس متقاسمين رياسة بني عبد مناف والبقية أحلاف لهم‏.‏ فبنو المطلب أحلاف لبني هاشم وبنو نوفل أحلاف لبني عبد شمس‏.‏ فأما بنو عبد شمس فمنهم العبلات وهم بنو أمية الأصغر وبنته الثريا صاحبة عمر بن أبي ربيعة وهي سيدة القريض المغني وبنو ربيعة بن عبد شمس‏:‏ منهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة‏.‏ ومن عتبة ابنه الوليد وقتل يوم بدر كافراً وأبو حذيفة صحابي وهو مولى سالم قتل يوم اليمامة‏.‏ وهند بنت عتبة أم معاوية رضي الله عنها‏.‏ وبنو عبد العزى صهر النبي وكانت له منها أمامة تزوجها علي بعد فاطمة رضي الله عنهما‏.‏ وبنو أمية الأكبر بن عبد شمس‏:‏ منهم سعيد بن أبي أحيحة العاصي بن أمية مات كافراً وابنه خالد بن سعيد قتل يوم اليرموك وسعيد بن العاصي بن سعيد قديم الإسلام ولي صنعاء واستشهد في فتح الشام وابنه سعيد قتل يوم اليرموك وسعيد بن العاصي بن سعيد بن العاصي بن أمية ولي الكوفة لعثمان‏.‏ وابنه عمرو الأشدق القائم على عبد الملك وقتله‏.‏ وأمير المؤمنين عثمان بن عفان بن العاصي بن أمية‏.‏ ومروان بن الحكم بن أبي العاصي وأعقابه الخلفاء الأولون في الإسلام والملوك بالأندلس معروفون يأتي ذكرهم عند أخبار دولهم‏.‏ وأبو سفيان بن حرب بن أمية‏:‏ وأبناؤه معاوية أمير المؤمنين ويزيد وحنظلة وعتبة وأم حبيبة أم المؤمنين‏.‏ وعقب معاوية بين الخلفاء والإسلام بين معروف يذكر عند ذكرهم‏.‏ وعتاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة اذ فتحها فلم يزل عليها إلى أن مات يوم ورود الخبر بموت أبي بكر الصديق‏.‏ ومنهم بنو أبي الشوارب القضاة ببغداد من عهد المتوكل إلى المقتدر‏.‏ وهم بنو أبي عثمان بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العاص وعقبة بن أبي معيط واسمه أبان بن عمرو بن أمية قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر صبراً‏.‏ وابنه الوليد صحابي ولي الكوفة وهو الذي حد على الخمر بين يدي عثمان وابنه أبو قطيفة الشاعر‏.‏ ومن عقبة بن أبي معيط المعيطي الذي بويع بدانية من شرق الأندلس‏.‏ بايع له ملكها مجاهد زمن الفتنة بعد المائة الرابعة في آخر الدولة الأموية‏.‏ وهو عبد الله بن عبد الله بن عبيد الله بن الوليد بن محمد بن يوسف بن عبد الله بن عبد العزيز بن خالد بن عثمان بن عبد الله بن عبد العزيز بن خالد بن عقبة بن أبي معيط‏.‏ وبنو نوفل بن عبد مناف‏:‏ منهم جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل الصحابي المشهور‏.‏ وأبو مطعم هو الذي نوه به النبي صلى الله عليه وسلم يوم الطائف ومات قبل بدر‏.‏ وطعيمة بن عدي قتل يوم بدر كافراً ومولاه وحشي هو الذي قتل يوم أحد حمزة بن عبد المطلب‏.‏ وبنو المطلب بن عبد مناف‏:‏ منهم قيس بن مخرمة بن المطلب صحابي وابنه عبد الله بن قيس مولى يسار جد محمد بن اسحق بن يسار صاحب المغازي‏.‏ ومسطح وهو عوف بن أثاثة بن عباد بن المطلب أحد من تكلم بالإفك وهو ابن خالة أبي بكر الصديق‏.‏ وركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب كان م أشد الرجال‏.‏ وصارعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرعه وكانت آية من آياته والسائب بن عبد يزيد كان يشبه رسول صلى الله عليه وسلم وأسر يوم بدر‏:‏ ومن عقبه الشافعي محمد بن إدريس بن العباس بن عثما بن شافع بن السائب‏.‏ وأما بنو هاشم بن عبد مناف فسيدهم عبد المطلب بن هاشم ولم يذكر من عقبه إلا عقب عبد المطلب هذا‏.‏ وكان بنوه عشرة‏:‏ عبد الله أبو النبي صلى الله عليه وسلم وهو أصغرهم وحمزة والعباس وأبو طالب والزبير والمقوم ويقال اسمه الغيداق وضرار وحجل وأبو لهب وقثم والزبير لا عقب لهما وعقب حمزة انقرض فيما قال ابن حزم‏.‏ ومن عقب أبي لهب ابنه عتبة صحابي‏.‏ وأما عقب العباس وأبي طالب فأكثر من أن يحصر والبيت والشرف من بني العباس في عبد الله بن العباس‏.‏ ومن بني أبي طالب في علي أمير المؤمنين وبعده أخوه جعفر رضي الله عنهم أجمعين‏.‏ وسنذكر من مشاهيرهم عند ذكر أخبارهم ودولهم ما فيه كفاية إن شاء الله تعالى‏.‏ هذا آخر الكلام في أنساب قريش وانقضى بتمامها الكلام في أنساب مضر وعدنان‏.‏ فلنرجع الآن إلى أخبار قريش وسائر مضر وما كان لهم من الدول الإسلامية‏.‏ والله المستعان لا رب غيره ولا خير إلا خيره ولا معبود سواه ولا يرجى إلا إياه‏.‏ وهو حسبي ونعم الوكيل وأسأله الستر الجميل‏.‏

  الخبر عن قريش من هذه الطبقة وملكهم بمكة وأولية أمرهم وكيف صار الملك إليهم فيها ممن قبلهم من الأمم السابقة

قد ذكروا عند الطبقة الأولى أن الحجاز وأكناف العرب كانت ديار العمالقة من ولد عمليق بن لاوذ وأنهم كان لهم ملك هنالك‏.‏ وكانت جرهم أيضأ من تلك الطبقة من ولد يقطن بن شالخ بن أرفخشذ‏.‏ وكانت ديارهم اليمن مع إخوانهم حضرموت‏.‏ وأصاب اليمن يومئذ قحط ففروا نحو تهامة يطلبون الماء والمرعى وعثروا في طريقهم بإسماعيل مع أمه هاجر عند زمزم‏.‏ وكان من شأنه وشأنهم معه ما ذكرناه عند ذكر إبراهيم عليه السلام‏.‏ ونزلوا على قطورا من بقية العمالقة وعليهم يومئذ السميدع بن هوثر بثاء مثلثة ابن لاوى بن ذكر بن عملاق أو عمليق‏.‏ واتصل خبر جرهم من ورائهم من قومهم باليمن وما أصابوا من النجعة بالحجاز فلحقوا بهم وعليهم مضاض بن عمرو بن سعيد بن الرقيب بن هنء بن نبت بن جرهم‏.‏ فنزلوا على مكة بقعيقعان‏.‏ وكانت قطورا أسفل مكة‏.‏ وكان مضاض يعشر من دخل مكة من أعلاها والسميدع من أسفلها‏.‏ هكذا عند ابن إسحق والمسعودي أن قطورا من العمالقة وعند غيرهما أن قطورا من بطون جرهم وليسوا من العمالقة‏.‏ ثم افترق أمر قطورا وجرهم وتنافسوا الملك واقتتلوا وغلبهم المضاض وقتل السميدع وانقضت العرب العاربة قال الشاعر‏:‏ مضى آل عملاق فلم يبق منهمو حقير ولاذ وعزة متشاوس عتوا فأدال الدهر منهم وحكمه على الناس هذا واغذ ومبايس ونشأ إسماعيل صلوات الله عليه بين جرهم وتكلم بلغتهم وتزوج منهم حرا بنت سعد بن عوف بن هنء نبت بن جرهم‏.‏ وهي المرأة التي أمره أبوه بتطليقها لما زاره ووجده غائباً‏.‏ فقال لها‏:‏ قولي لزوجك فليغير عتبته فطلقها وتزوج بنت أخيها مامة بنت مهلهل بن سعد بن عوف‏.‏ ذكر هاتين المرأتين الواقدي في كتاب انتقال النور‏.‏ وتزوج بعدهما السيدة بنت الحرث بن مضاض بن عمرو بن جرهم‏.‏ ولثلاثين سنة من عمر إسماعيل قدم أبوه الحجاز فأمر ببناء الكعبة البيت الحرام وكان الحجر زرباً لغنم اسماعيل فرفع قواعدها مع ابنه إسماعيل وصيرها خلوة لعبادته وجعلها حجاً للناس كما أمره الله وانصرف إلى الشام فقبض هنالك كما مر‏.‏ وبعث الله إسماعيل إلى العمالقة وجرهم وأهل اليمن فآمن بعض وكفر بعض إلى أن قبضه الله ودفن بالحجر مع أمه هاجر ويقال آجر‏.‏ وكان عمره فيما يقال مائة ثلاثين سنة وعهد بأمره لابنه قيذار‏.‏ ومعنى قيذار صاحب الإبل وذلك لأنه كان صاحب إبل أبيه إسماعيل كذا قال السهيلي‏.‏ وقال غيره معناه الملك‏.‏ ويقال إنما عهد لابنه نابت فقام ابنه بأمر البيت ووليها‏.‏ وكان ولده فيما ينقل أهل التوراة كما نقل اثني عشر‏:‏ قيذار قيايوت أدبئيل مبسام مشمع دوما مسا حدار ديما يطور ياقيس قدما‏.‏ أمهم السيدة بنت مضاض قاله السهيلي وهكذا وقعت أسماؤهم في الإسرائيليات‏.‏ والحروف خالفة للحروف العربية بعض الشيء باختلاف المخارج فلهذا يقع الخلاف بين العلماء في ضبط هذه الألفاظ‏.‏ وقد ضبط ابن إسحاق تيما منهم بالطاء والياء وضبطه الدارقطني بالضاد المعجمة والميم قبل الياء كأنها تأنيث آضم وذكر ابن إسحاق ديما‏.‏

وقال البكري‏:‏ به سميت دومة الجندل لأنه كان نزلها‏.‏ وذكر أن الطور بيطون ابن إسماعيل‏.‏ ثم هلك نابت بن إسماعيل وولي أمر البيت جده الحرث بن مضاض وقيل وليها مضاض بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن هنء بن نبت بن جرهم ثم ابنه الحرث بن عمرو‏.‏ ثم قسمت الولاية بين ولد إسماعيل بمكة وأخوالهم من جرهم ولاة البيت لا ينازعهم ولد إسماعيل إعظامأ للحرم أن يكون به بغي أو قتال‏.‏ ثم بغت جرهم في البيت ووافق بغيهم تفرق سبأ ونزول بني حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر أرض مكة‏.‏ فأرادوا المقام مع جرهم فمنعوهم واقتتلوا فغلبهم بنو حارثة وهم فيما قيل خزاعة وملكوا البيت عليهم ورئيسهم يومئذ عمرو بن لحي وشرد بقية جرهم‏.‏ ولحي هذا هو ربيعة بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو مزيقيا بن عامر وقيل إنما ثعلبة بن حارثة بن عامر‏.‏ وفي الحديث رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار يعني أحشاءه‏.‏ لأنه الذي بحر البحيرة وسيب السائبة وحمى الحامي وغير دين إسماعيل ودعا إلى عبادة الأوثان‏.‏ وفي طريق آخر رأيت عمرا بن عامر‏.‏ قال عياض المعروف في نسب أبي خزاعة‏.‏ هذا هو عمرو بن لحي بن قمعة بن الياس‏.‏ وأنما عامر اسم أبيه أخو قمعة وهو مدركة بن الياس‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ كان حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر خلف على أم لحي بعد أبيه قمعة‏.‏ ولحي تصغير‏.‏ واسمه ربيعة تبناه حارثة وانتسب إليه فالنسب صحيح بالوجهين‏.‏ وأسلم بن أفصى بن حارثة أخو خزاعة‏.‏ وعن ابن أسحق أن الذي أخرج جرهم من البيت ليست خزاعة وحدها وأنما تصدى للنكير عليهم خزاعة وكنانة‏.‏ وتولى كبره بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة وبنو غبشان بن عبد عمرو بن بوي بن ملكان بن أفصى بن حارثة فاجتمعو لحربهم واقتتلوا وغلبهم بنو بكر وبنو غبشان بن كنانة وخزاعة على البيت ونفوهم من مكة‏.‏ فخرج عمرو وقيل عامر بن الحرث بن مضاض الأصغر بمن معه من جرهم إلى اليمن بعد أن دفن حجر الركن وجميع أموال الكعبة بزمزم‏.‏ ثم اسفوا على ما فارقوا من أمر مكة وحزنوا حزناً شديداً‏.‏ وقال عمرو بن الحرث وقيل عامر‏:‏ كان لم يكن بين الحجون إلى الصف أنيس ولم يسمر بمكة سامر بلى نحن كنا أهلها فأزالنا صروف الليالي والجدود العواثر وكنا ولاة البيت من بعد نابت نطوف فما تحظى لدينا المكاثر ملكنا فعززنا فأعظم ملكنا فليس لحي عندنا ثم فاخر ألم تنكحوا من خير شخص علمته فأبناؤنا منا ونحن الأصاهر فإن تنثني الدنيا علينا بحالها فإن لها حالاً وفيها التشاجر فأخرجنا منها المليك بقدرة كذلك يا للناس تجري المقادر وبدلت منها أوجهاً لا أحبها قبائل منها حمير وبحائر وصرنا أحاديثاً وكنا بغبطة بذلك عصتنا السنون الغوابر فساحت دموع العين تبكي لبلدة بها حرم أم وفيها المشاعر ونبكي لبيب ليس يؤذى حمامة يظل بها أمناً وفيها العصافر وفيه وحوش لا ترام أنيسة إذا خرجت منه فليست تغادر ثم غلبت بنو حبشية على أمر البيت بقومهم من خزاعة واستقلوا بولايتها دون بني بكر عبد مناة وكان الذي يليها لآخر عهدهم عمرو بن الحرث وهو غبشان‏.‏ وذكر الزبير أن الذين أخرجوا جرهم من البيت من ولد إسماعيل هم إياد بن نزار‏.‏ ومن بعد ذلك وقعت الحرب بين مضر وإياد فأخرجتهم مضر‏.‏ ولما خرجت إياد قلعوا الحجر الأسود ودفنوه في بعض المواضع ورأت ذلك امرأة من خزاعة فأخبرت قومها فاشترطوا على مضر إن دلوهم عليه أن لهم ولاية البيت دونهم فوفوا لهم بذلك‏.‏ وصارت ولاية البيت لخزاعة إلى أن باعها أبو غبشان لقصي‏.‏ ويذكر أن من وليها منهم عمرو بن لحي ونصب الأصنام وخاطبه رجل من جرهم‏:‏ يا عمرو لا تظلم بم كة إنها بلد حرام سائل بعاد أين هم وكذاك تخترم الأنام وكانت ولاية البيت لخزاعة وكان لمضر ثلاث خصال‏:‏ الإجازة بالناس يوم عرفة لبني الغوث بن مرة إخوتهم وهو صوفة‏.‏ والإضافة بالناس غداة النحر من جمع إلى منىً لبني زيد بن عدي وانتهى ذلك منهم إلى أبي سيارة عميرة بن الأعزل بن خالد بن سعد بن الحرث بن كانس بن زيد فدفع من مزدلفة أربعين سنة على حمار ونسء الشهور الحرم كان لبني مالك بن كنانة‏.‏ وانتهى إلى القلمس كما مر‏.‏ وكان إذا أراد الناس الصدور من مكة قال‏:‏ اللهم إني أحللت أحد الصفرين ونسأت الآخر للعام المقبل‏.‏ قال عمرو بن قيس من بني فراس‏:‏ ونحن الناسئون على معد شهور الحل فجعلها حراما قال ابن اسحق‏:‏ فأقام بنو خزاعة وبنو كنانة على ذلك مدة الولاية لخزاعة دونهم كما قلناه‏.‏ وفي أثناء ذلك تشعبت بطون كنانة ومن مضر كلها وصاروا جرماً وبيوتات متفرقين في بطن قومهم من بني كنانة وكلهم إذ ذاك أحياء حلول بظواهرها‏.‏ وصارت قريش على فرقتين‏:‏ قريش البطاح وقريش الظواهر‏.‏ فقريش البطاح ولد قصي بن كلاب وسائر بني كعب بن لؤي‏.‏ وقريش الظواهر من سواهم‏.‏ وكانت خزاعة بادية لكنانة ثم صار بنو كنانة لقريش‏.‏ ثم صارت قريش الظواهر بادية لقريش البطاح وقريش الظواهر من كان على أقل من مرحلة ومن الضواحي من كان على أكثر من ذلك‏.‏ وصار من سوى قريش وكنانة من قبائل مضر في الضواحي أحياء بادية وظعوناً ناجعة من بطون قيس وخندف من أشجع وعبس وفزارة ومرة وسليم وسعد بن بكر وعامر بن صعصعة وثقيف‏.‏ ومن تميم والرباب وضبعي بني أسد وهذيل والقارة وغير هؤلاء من البطون الصغار وكان التقدم في مضر كلها لكنانة ثم لقريش والتقدم في قريش لبني لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر‏.‏ وكان سيدهم قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي‏.‏ كان له فيهم شرف وقرابة وثروة وولد وكان له في قضاعة ثم في بني عروة بن سعد بن زيد من بطونهم نسب ظئر ورحم كلالة كانوا من أجلها فيه شيعة‏.‏ وذلك بما كان ربيعة بن حرام بن عذرة قدم مكة قبل مهلك كلاب بن مرة وكان كلاب خلف قصياً في حجر أمه فاطمة بنت سعد بن باسل بن خثعمة الأسدي من اليمن فتزوجها ربيعة وقصي يومئذ فطيم فاحتملته إلى بلاد بني عذرة وتركت ابنها زهرة بن كلاب لأنه كان رجلاً بالغاً وولدت لربيعة بن حزام رزاح بن ربيعة ولما شب قصي وعرف نسبه رجع إلى قومه وكان الذي يلي أمر البيت لعهده من خزاعة حليل بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو فأصهر إلى قصي في ابنته حبى فأنكحه إياها فولدت له عبد الدار وعبد مناف وعبد العزى وعبد قصي‏.‏ ولما انتشر ولد قصي وكثر ماله وعظم شرفه هلك حليل فرأى قصي أنه أحق بالكعبة وبأمر مكة وخزاعة وبني بكر لشرفه في قريش‏.‏ ولما كثرت قريش سائر الناس واعتزت عليهم وقيل أوصي له بذلك حليل‏.‏ ولما بدا له ذلك مشى في رجالات قريش ودعاهم إلى ذلك فأجابوه وكتب إلى أخيه رزاخ في قومه عذرة مستجيشاً بهم فقدم مكة في إخوته من ولد ربيعة ومن تبعهم من قضاعة في جملة الحاج مجمعاً نصر قصي‏.‏ قال السهيلي‏:‏ وذكر غير ابن إسحق إن حليلأ كان يعطي مفاتيح البيت بنته حبى حين كبر وضعف فكانت بيدها وكان قصي ربما أخذها يفتح البيت للناس ويغلقه فلما هلك حليل أوصى بولاية البيت إلى قصي وأبت خزاعة أن يمضي ذلك لقصي فعند ذلك هاجت الحرب بينه وبين خزاعة وأرسل إلى رزاح أخيه يستنجده عليهم‏.‏ وقال‏:‏ الطبري لما أعطى حليل مفاتيح الكعبة لابنته حبى لما كبر وثقل قالت إجعل لرجل يقوم لك به فجعله إلى أبي غبشان سليمان بن عمرو بن لؤي بن ملكان بن قصي وكانت له ولاية الكعبة‏.‏ ويقال‏:‏ إن أبا غبشان هو ابن حليل باعه من قصي بزق خمر قيل فيه أخسر من صفقة أبي غبشان‏.‏ فكان من أول ما بدأوا به نقض ما كان لصوفة من إجازة الحاج وذلك أن بني سعد بن زيد مناة بن تميم كانوا يلون الإجازة للناس بالحج من عرفة ينفر الحاج لنفرهم ويرمون الجمار لرميهم ورثوا ذلك من بني الغوث بن مرة‏.‏ كانت أمه من جرهم وكانت لا تلد فنذرت إن ولدت أن تتصدق به على الكعبة عبدأ يخدمها فولدت الغوث وخلى أخواله من جرهم بينه وبين من نافسه بذلك‏.‏ فكان له ولولده وكان يقال لهم صوفة‏.‏ وقال السهيلي عن بعض الإخباريين‏:‏ إن ولاية الغوث بن مرة كانت من قبل ملوك كندة ولما انقرضوا ورث بالتعدد بنو سعد بن زيد مناة‏.‏ ولما جاء الإسلام كانت تلك الإجازة منهم لكرب بن صفوان بن حتات بن سحنة وقد مر ذكره في بطون تميم‏.‏ فلما كان العام الذي أجمع فيه قصي الإنفراد بولاية البيت وحضر إخوته من عفرة تعرض لبني سعد أصحاب صوفة في قومهم من قريش وكنانة وقضاعة عند الكعبة‏.‏ فلما وقفوا للإجازة قال لا نحن أولى بهذا منكم فتناجزا وغلبهم قصي على ما كان بأيديهم وعرفت خزاعة وبنو بكر عند ذلك أنه سيمنعهم من ولاية البيت كما منع الآخرين فانحازوا عنه وأجمعوا لحربه وتناجزوا وكثر القتل ثم صالحوه على أن يحكموا من أشراف العرب وتنافروا إلى يعمر بن عوف بن كعب بن عمرو بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة فقضى لقصي عليهم فولي قصي البيت وقر بمكة وجمع قريشاً من منازلهم بين كنانة إليها وقطعها أرباعأ بينهم‏.‏ فأنزل كل بطن منهم بمنزله الذي صبحهم به الإسلام وسمي بذلك مجمعاً قال الشاعر‏:‏ قصي لعمري كان يدعى مجمعاً به جمع الله القبائل من فهر فكان أول من أصاب من بني لؤي بن غالب ملكأ أطاع له به قومه فصار له لواء الحرب وحجابة البيت وتيمنت قريش برأيه فصرفوا مشورتهم إليه في قليل أمورهم وكثيرها فاتخذوا دار الندوة إزاء الكعبة في مشاوراتهم وجعل بابها إلى المسجد فكانت مجتمع الملاء من قريش في مشاوراتهم ومعاقدهم ثم تصدى لإطعام الحاج وسقايته لما رأى أنهم ضيف الله وزوار بيته‏.‏ وفرض على قريش خراجاً يؤدونه إليه زيادة على ذلك كانوا يردفونه به فحاز شرفهم كله‏.‏ وكانت الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء له‏.‏ ولما أسن قصي وكان بكره عبد الدار وكان ضعيفاً وكان أخوه عبد مناف شرف عليه في حياة أبيه فأوصى قصي لعبد الدار بما كان له من الحجابة واللواء والندوة والرفادة والسقاية يجبر له بذلك ما نقصه من شرف عبد مناف‏.‏ وكان أمره في قومه كالدين المتبع ولا يعدل عنه‏.‏ ثم هلك وقام بأمره في قومه بنوه من بعده وأقاموا على ذلك مدة وسلطان مكة لهم وأمر قريش جميعاً‏.‏ ثم نفس بنو عبد مناف على بني عبد الدار ما بأيديهم ونازعوهم فافترق أمر قريش وصاروا في مظاهرة بني قصي بعضهم على بعض فرقتين‏.‏ وكان بطون قريش قد إجتمعت لعهدها ذلك إثني عشر بطناً‏:‏ بنو الحرث بن فهر وبنو محارب بن لؤي وبنو عدي بن كعب وبنو سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب وبنو جمح بن عمرو بن هصيص وبنو تيم بن مرة وبنو مخزوم بن يقظة بن مرة وبنو زهرة بن كلاب وبنو أسد بن عبد العزى بن قصي وبنو عبد الدار وبنو عبد مناف بن قصي‏.‏ فأجمع بنو عبد مناف إنتزاع ما بأيدي عبد الدار مما جعل لهم قصي وقام بأمرهم عبد شمس أسن ولده واجتمع له من قريش بنو أسد بن عبد العزى وبنو زهرة وبنو تيم وبنو الحرث‏.‏ واعتزل بنو عامر وبنو المحارب الفريقين وصار الباقي من بطون قريش مع بني عبد الدار وهم بنو سهم وبنو جمح وبنو عدي وبنو مخزوم‏.‏ ثم عقد كل من الفريقين على أحلافه عقداً مؤكداً وأحضر بنو عبد مناف وحلف قومهم عند الكعبة جفنة مملوءة طيباً غمسوا فيها أيديهم تأكيدأ للحلف‏.‏ فسمي حلف المطيبين‏.‏ وأجمعوا للحرب وسووا بين القبائل وأن تبعث بعضها إلى بعض‏.‏ فبعث بنو عبد الدار لبني أسد وبنو جمح لبني زهرة وبنو مخزوم لبني تيم وبنو عدي لبني الحرث‏.‏ ثم تداعوا للصلح على أن يسلموا لبني عبد مناف السقاية والرفادة ويختص بنو عبد الدار بالحجابة واللواء فرضي الفريقان وتحاجز الناس‏.‏ وقال الطبري‏:‏ قيل ورثها من أبيه ثم بقام بأمر بني عبد مناف هاشم ليساره وقراره بمكة وتقلب أخيه عبد شمس في التجارة إلى الشام‏.‏ فأحسن هاشم ما شاء في إطعام الحاج وإكرام وفدهم‏.‏ ويقال‏:‏ إنه أول من أطعم الثريد الذي كان يطعم فهو ثريد قريش الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام‏.‏ والثريد لهذا العهد ثريد الخبز بعد أن يطبخ في المقلاوة والتنور‏.‏ وليس من طعام العرب إلا أن عندهم طعاماً يسمونه البازين يتناوله الثريد لغة وهو ثريد الخبز بعد أن يطبخ في الماء عجيناً رطباً إلى أن يتم نضجه ثم يدلكونه بالمغرفة حتى تتلاحم أجزاؤه وتتلازج‏.‏ وما أدري هل كان ذلك الطعام كذلك أولاً إلا أن لفظ الثريد يتناوله لغة‏.‏ ويقال‏:‏ إن هاشم بن عبد المطلب أول من سن الرحلتين في الشتاء والصيف للعرب ذكره بن إسحق وهو غير صحيح لأن الرحلتين من عوائد العرب في كل جيل لمراعي إبلهم ومصالحها لأن معاشهم فيها‏.‏ وهذا معنى العرب وحقيقتهم أنه الجيل الذي معاشهم في كسب الإبل والقيام عليها في ارتياد المرعى وانتجاع المياه والنتاج والتوليد وغير ذلك من مصالحها والفرار بها من أذى البرد عند التوليد إلى القفار ودفئها وطلب التلول في المصيف للحبوب وبرد الهواء‏.‏ وتكونت على ذلك طباعهم فلا بد لهم منها‏.‏ ظعنوا أو أقاموا وهو معنى العروبية‏.‏ وشعارها أن هاشماً لما هلك وكان مهلكه بغزة من أرض الشام تخلف عبد المطلب صغيراً بيثرب فأقام بأمره من بعده ابنه المطلب وكان ذا شرف وفضل وكانت قريش تسميه الفضل لسماحته وكان هاشم قدم يثرب فتزوج في بني عدي‏.‏ وكانت قبله عند أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جحجبا بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك سيد الأوس لعهده فولدت عمرو بن أحيحة وكانت لشرفها تشترط أمرها بيدها في عقد النكاح فولدت عبد المطلب فسمته شيبة وتركه هاشم عندها حتى كان غلامأ‏.‏ وهلك هاشم فخرج إليه أخوه المطلب فأسلمته إليه بعد تعسف واغتباط به فاحتمله ودخل مكة فردفه على بعيره فقالت قريش هذا عبد ابتاعه المطلب فسمي شيبة عبد المطلب من يومئذ‏.‏ ثم إن المطلب هلك بردمان من اليمن فقام بأمر بني هاشم بعده عبد المطلب بن هاشم وأقام الرفادة والسقاية للحاج على أحسن ما كان قومه يقيمونه بمكة من قبله وكانت له وفادة على ملوك اليمن من حمير والحبشة وقد قدمنا خبره مع ابن ذي يزن ومع ابرهة‏.‏ ولما أراد حفر زمزم‏:‏ للرؤيا التي رآها اعترضته قريش دون ذلك ثم حالوا بينه وبين ما أراد منها فنذر لئن ولد له عشرة من الولد ثم يبلغوا معه حتى يمنعوه لينحرن أحدهم قرباناً لله عند الكعبة فلما كملوا عشرة ضرب عليهم القداح عند هبل الصنم العظيم الذي كان في جوف الكعبة على البئر التي كانوا ينحرون فيها هدايا الكعبة فخرجت القداح على ابنه عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم وتحير في شأنه ومنعه قومه من ذلك‏.‏ وأشار بعضهم وهو المغيرة بن عبد الله بن مخزوم بسؤال العرافة التي كانت لهم بالمدينة على ذلك‏.‏ فألفوها بخيبر وسألوها فقالت قربوه وعشراً من الإبل وأجيلوا القداح فإن خرجت على الإبل فذلك وإلا فزيدوا في الإبل حتى تخرج عليها القداح وانحروها حينئذ فهي الفدية عنه‏.‏ وقد رضي إلهكم ففعلوا وبلغت الإبل مائة‏.‏ فنحرها عبد المطلب وكانت من كرامات الله به‏.‏ وعليه قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنا ابن الذبيحين يعني عبد الله أباه وإسماعيل بن إبراهيم جده اللذين قربا للذبح ثم فديا بذبح الأنعام‏.‏ ثم أن عبد المطلب زوج ابنه عبد الله بآمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة فدخل بها وحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبعثه عبد المطلب يمتار لهم تمراً فمات هنالك فلما أبطأ عليهم خبره بعث في أثره‏.‏ وقال الطبري عن الواقدي‏:‏ الصحيح إنه أقبل من الشام في حي لقريش فنزل بالمدينة ومرض بها ومات‏.‏ ثم أقام عبد المطلب في رياسة قريش بمكة والكون يصغي لملك العرب والعالم يتمخض بفصال النبوة إلى أن وضح نور الله من أفقهم وسرى خبر السماء إلى بيوتهم واختلفت الملائكة إلى أحيائهم وخرجت الخلافة في انصبائهم وصارت العزة لمضر ولسائر العرب بهم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وعاش عبد المطلب مائة وأربعين سنة وهو الذي احتفر زمزم‏.‏ قال السهيلي‏:‏ ولما حفر عبد المطلب زمزم استخرج منه تمثالي غزالين من ذهب وأسيافاً‏.‏ كذلك كان ساسان ملك الفرس أهداها إلى الكعبة وقيل سابور‏.‏ ودفنها الحرث بن مضاض في زمزم لما خرج بجرهم من مكة‏.‏ فاستخرجها عبد المطلب وضرب الغزالين حلية للكعبة فهو أول من ذهب حلية الكعبة بها وضرب من تلك الأسياف باب حديد وجعله للكعبة‏.‏ ويقال‏:‏ إن أول من كسى الكعبة واتخذ لها غلقاً تبع إلى أن جعل لها عبد المطلب هذا الباب‏.‏ ثم اتخذ عبد المطلب حوضاً لزمزم يسقي منه وحسده قومه على ذلك وكانوا يخربونه بالليل فلما غمه ذلك رأى في النوم قائلاً يقول‏:‏ قل لا أحلها لمغتسل وهي لشارب حل وبل فإذا قلتها فقد كفيتهم فكان بعد إذا أرادها أحد بمكروه رمى بداء في جسده ولما عملوا بذلك تناهوا عنه‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ أول من كسا البيت المسوح والخصف والأنطاع تبع الحميري‏.‏ ويروى أنه لما كساها انتقض البيت فزال ذلك عنه وفعل ذلك حين كساه الخصف فلما كساه الملاء والوصائل قبله وسكن‏.‏ وممن ذكر هذا الخبر قاسم بن ثابت في كتاب الدلائل‏.‏ وقال ابن إسحق أول من كسا الديباج الحجاج‏.‏ وقال الزبير بن بكار بن عبد الله بن الزبير أول من كساها ذلك‏.‏ وذكر جماعة منهم الدارقطني إن نتيلة بنت جناب أم العباس بن عبد المطلب كانت أضلت العباس صغيرأ فنذرت إن وجدته أن تكسو الكعبة وكانت من بيت مملكة فوفت بنذرها‏.‏ هذه أخبار قريش وملكهم بمكة‏.‏ وكانت ثقيف جيرانهم بالطائف يساجلونهم في مذاهب العروبية وينازعونهم في الشرف وكانوا من أوفر قبائل هوازن لأن ثقيفاً هو قسي بن منبه بن بكر بن هوازن‏.‏ وكانت الطائف قبلهم لعدوان الذين كان فيهم حكيم العرب عامر بن الظرب بن عمرو بن عباد بن يشكر بن بكر بن عدوان‏.‏ وكثر عددهم حتى قاربوا سبعين ألفاً‏.‏ ثم بغى بعضهم على بعض فهلكوا وقل عددهم‏.‏ وكان قسي بن منبه صهرأ لعامر بن الظرب وكان بنوه بينهم‏.‏ فلما قل عدد عدوان تغلب عليهم ثقيف وأخرجوهم من الطائف وملكوه إلى أن صبحهم الإسلام به على ما نذكره والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين والبقاء لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‏.‏ تم الجزء الثاني من تاريخ ابن خلدون حسب ترتيب المؤلف بسم الله الرحمن الرحيم أمر النبوة والهجرة أمر النبوة والهجرة في هذه الطبقة الثالثة وما كان من اجتماع العرب على الإسلام بعد الإباية والحرب لما استقر أمر قريش بمكة على ما استقر وافترقت قبائل مضر في أدنى مدن الشام والعراق وما دونهما من الحجاز فكانوا ظعوناً وأحياء‏.‏ وكان جميعهم بمسغبة وفي جهد من العيش بحرب بلادهم وحرب فارس والروم على تلول العراق والشام وأربابهما ينزلون حاميتهم بثغورهما ويجهزون كتائبهم بتخومهما ويولون على العرب من رجالاتهم وبيوت العصائب منهم من يسومهم القهر ويحملهم على الإنقياد حتى يؤتوا جباية السلطان الأعظم وإتاوة ملك العرب ويؤدوا ما عليهم من الدماء والطوائل ويسترهموا ابناءهم على السلم وكف العادية‏.‏ ومن انتجاع الأرباب وميرة الأقوات والعساكر من وراء ذلك توقع بمن منع الخراج وتستأصل من يروم الفساد‏.‏ وكان أمر مضر راجعاً في ذلك إلى ملوك كندة بني حجر آكل المرار منذ ولاه عليهم تبع حسان كما ذكرناه‏.‏ ولم يكن في العرب ملك إلا في آل المنذر بالحيرة للفرس وفي آل جهينة بالشام للروم وفي بني حجر هؤلاء على مضر والحجاز‏.‏ وكانت قبائل مضر مع ذلك بل وسائر العرب أهل بغي وإلحاد وقطع للأرحام وتنافس في الردى وإعراض عن ذكر الله‏.‏ فكانت عبادتهم الأوثان والحجرة وأكلهم العقارب والخنافس والحيات والجعلان وأشرف طعامهم أوبار الإبل إذا أمروها في الحرارة في الدم‏.‏ وأعظم عزهم وفادةً على آل المنذر وآل جهينة وبني جعفر ونجعة من ملوكهم‏.‏ وإنما كان تنافسهم الموءودة والسائبة والوصيلة والحامي‏.‏ فلما تأذن الله بظهورهم وآشرأبت إلى الشرف هوادي أيامهم وتم أمر الله في إعلاء أمرهم وهبت ريح دولتهم وملة الله فيهم تبدت تباشير الصباح من أمرهم وأونس الخير والرشد في خلالهم ويبدل الله بالطيب الخبيث من أحوالهم وشرهم‏.‏ واستبدلوا بالذل عزا وبالمآثم متاباً وبالشر خيرأ‏.‏ ثم بالضلالة هدئ وبالمسغبة شبعاً ورياً وإيالة وملكاً‏.‏ وإذا أراد الله أمرأ يسر أسبابه‏:‏ فكان لهم من العز والظهور قبل المبعث ما كان‏.‏ وأوقع بنو شيبان وسائر بكر بن وائل وعبس بن غطفان بطيء وهم يومئذ ولاة العرب بالحيرة وأميرها منهم قبيصة بن إياس ومعه الباهوت صاحب مسلحة كسرى‏.‏ فأوقعوا بهم الوقعة المشهورة بذي قار والتحمت عساكر الفرس وأخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفد حاجب بن زرارة من بني تميم على كسرى في طلب الإنتجاع والميرة بقومه في أباب العراق‏.‏ فطلب الأساورة منه الرهن على عادتهم فأعطاهم قوسه واستكبر عن استرهان ولده توقعوا منه عجزاً عما سواها وانتقلت خلال الخير من العجم ورجالات فارس فصارت أغلب في العرب حتى كان الواحد منهم هم بخلاله وشرفه وغلب الشر والسفسفة على أهل دول العجم وانظر فيما كتب عمر إلى أبي عبيدة بن المثنى حين وجهه إلى حرب فارس‏:‏ إنك تقدم على أرض المكر والخديعة والخيانة والحيرة تقدم على أقوام قد جرأوا على الشر فعلموه وتناسوا الخير فجهلوه فانظر كيف تكون اه‏.‏ وتنافست العرب في الخلال وتنازعوا في المجد والشرف حسبما هو مذكور في أيامهم وأخبارهم‏.‏ وكان حظ قريش من ذلك أوفر على نسبة حظهم من مبعثه وعلى ما كانوا ينتحلونه من هدى آبائهم‏.‏ وينظر ما وقع في حلف الفضول حيث اجتمع بنو هاشم وبنو المطلب وبنو أسد بن عبد العزى وبنو زهرة وبنو تميم فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه وكانوا من ظلمهم حتى ترد عليه مظلمته وسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول‏.‏ وفي الصحيح عن طلحة‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو دعي به في الإسلام لأجبت‏.‏ ثم ألقى الله في قلوبهم التماس الدين وإنكار ما عليهم قومهم من عبادة الأوثان حتى لقد اجتمع منهم ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى وعثمان بن الحويرث بن أسد وزيد بن عمرو بن نفيل من بني عدي بن كعب عم عمر بن الخطاب وعبيد الله بن جحش من بني أسد بن خزيمة وتلاوموا في عبادة الأحجار والأوثان وتواصوا بالنفر في البلدان بالتماس الحنيفية‏:‏ دين إبراهيم نبيهم‏.‏ فأما ورقة فاستحكم في النصرانية وابتغى من أهلها الكتب حتى علم من أهل الكتاب‏.‏ وأما عبيد الله بن جحش فأقام على ما هو عليه حتى جاء الإسلام فأسلم وهاجر إلى الحبشة فتنصر وهلك نصرانياً‏:‏ وكان يمر بالمهاجرين بأرض الحبشة فيقول‏:‏ فقحنا وصأصأتم أي أبصرنا وأنتم تلتمسون البصر‏.‏ مثلما يقال في الجرو إذا فتح عينيه فقح وإذا أراد ولم يقدر صأصأ‏.‏ وأما عثمان بن الحويرث فقدم على ملك الروم قيصر فتنصر وحسنت منزلته عنده وأما زيد بن عمر فما هم أن يدخل في دين ولا اتبع كتاباً‏.‏ واعتزل الأوثان والذبائح والميتة والدم ونهى عن قتل الموءودة وقال‏:‏ أعبد رب إبراهيم‏.‏ وصرح بعيب آلهتهم وكان يقول‏:‏ اللهم لو أني أعلم أي الوجوه أحب إليك لعبدتك ولكن لا أعلم ثم يسجد على راحته‏.‏ وقال ابنه سعيد وابن عمه عمر بن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر الله لزيد بن عمرو قال‏:‏ نعم‏!‏ إنه يبعث أمة واحدة‏.‏ ثم تحدث الكهان والحزاة قبل النبوة وإنها كائنة في العرب وأن ملكهم سيظهر‏.‏ وتحدث أهل الكتاب من اليهود والنصارى بما في التوراة والإنجيل من بعث محمد وأمته وظهرت كرامة الله بقريش ومكة في أصحاب الغيل أرهاصاً بين يدي مبعثه‏.‏ ثم ذهب ملك الحبشة من اليمن على يد ابن ذي يزن من بقية التبابعة‏.‏ ووفد عليه عبد المطلب يهنيه عند استرجاعه ملك قومه من أيدي الحبشة فبشره ابن ذي يزن بظهور نبي من العرب وأنه من ولده في قصة معروفة‏.‏ وتحين الأمر لنفسه كثير من رؤساء العرب يظنه فيه ونفروا إلى الرهبان والأحبار من أهل الكتاب يسألونهم ببلدتهم عن ذلك مثل أمية بن أبي الصلت الشقي وما وقع له في سفره إلى الشام مع أبي سفيان بن حرب وسؤاله الرهبان ومفاوضته أبا سفيان فيما وقف عليه من ذلك يظن أن الأمر له أو لأشرف قريش من بنى عبد مناف حتى تبين لهما خلاف ذلك في قصة معروفة‏.‏ ثم رجمت الشياطين عن استماع خبر السماء في أمره وأصغى الكون لاستماع أنبائه‏.‏